أما بالنسبة للفكر الايماني فليست ظاهرة الوحي لديه في حقيقتها إلا التعبير عن استمرار العناية الالهية الرحيمة، وتتابع الالطاف الربانية الهادية، رحمة بالانسان الضال المنحرف ، وإنقاذا له، إذ لم يشأ الله سبحانه أن يخلق الانسان ويتركه مهملا بلا توجيه، وضائعا بلا رعاية على هذه الارض، بل جعل الله الوحي إلى الانسان وسيلة لتعريفه بنفسه ، وبربه ، وعالمه ،
(26)
وسبيلا إلى هدايته ، لتنظيم حياته ، وبيان طريقة تعامله مع أبناء نوعه ، وكيفية توجهه إلى خالقه .
وهكذا شاء لطف الله بعباده ، وقضت إرادته الحكيمة أن يختار أفرادا مخصوصين ومؤهلين للاتصال بالالطاف الربانية بعد أن يهيئهم الله بلطفه ، فيرفر لهم الاستعداد الروحي ، والتكامل النفسي ، والنضج العقلي ، والسمو الذاتي ، ليكونوا مؤهلين لحمل الرسالة وتبليغ الامانة ، وتمثيل الارادة الربانية على هذه الارض :
(الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير ). (الحج / 75)
(وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون). (الانعام/124)
وإذن لا بد للنبي من بلوغ نوع من الاستعداد ، والتكامل الروحي الذي يهيئه لتلقي الفيض والمعرفة الالهية، ويرفعه إلى درجة التجرد عن هذا العالم المادي ، والتعلق بالله سبحانه .
صفحه ۳۵