سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
ژانرها
وتهاوى حسان جالسا، وهو يرقب منزلق ذلك الجبل الهائل الذي تبدت له نيرانه المشتعلة على طول سفوحه وأخاديده كجمر هائل متقد. - يا لها من ليلة ... جحيم!
غمغم لنفسه مكتئبا آخذا رأسه بين ساعديه الاثنتين في حيرة: الجحيم بعينه؛ حكم حمير.
وكان قرع الدفوف العملاقة وأنين الرباب يصم أذنيه الاثنتين، وبدا المكان موحشا إلى حد دفع به دفعا إلى تحسس حسامه وخنجره، تأهبا للدخول. - تلك المرأة اللغز!
طالعته من جديد منحوتات إخوته الفرسان الأربعة الذين التهمتهم نيران الحرب الأخيرة المسعورة الواحد عقب الآخر، كمثل عقد منفرط. - الرحمة!
وما إن تحرك منفلتا داخلا إلى أغوار ذلك الكهف الرطب، حتى طالعته صورته المنعكسة على جدرانه الحجرية المشطوفة التي صيغت من نادر الأحجار الملونة والنفيسة، ما بين المرمر الأملس كمثل مرايا عاكسة، واليشب والعقيق والسليماني والياقوت الشديد الاحمرار.
تبدى له وجهه وهيئته منطبعة عبر مئات المستنسخات، التي لم تكن أبدا تعكس حالته الآنية ، بل عبر آلاف مؤلفة من الانفعالات والتبديات التي لم يكن يعرفها أو يشهدها من قبل في نفسه. - غرائب!
وسريعا ما انفتحت تلك المغارة المتعرجة المسالك والدروب التي تغطت جدرانها بالرءوس البشرية الحقيقية المسمرة بالجدران، والتي لا يزال بعضها يقطر بما يشابه الدم الأحمر، كما لو أن حادث قتلهم قد وقع لتوه، غمغم حسان لنفسه؛ متسائلا: أسرى!
بل إن أصوات العواء والنحيب والتوسل، من داخل ردهات الكهف ذاته وصلت مسامعه، طاغية على أصوات الدفوف العملاقة الخارجية.
توقف ملتاعا مأخوذا، إلى أن جاءه صوت المرأة. - حسان؟! - أجل! - تأخرت طويلا!
اندفع داخلا لا يلوي على شيء، إلى أن وجد نفسه داخل بهو فسيح لا يحده البصر، أحالته ألسنة النيران العملاقة إلى نهار جلي واضح المعالم والتفاصيل.
صفحه نامشخص