سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
ژانرها
ومن هنا بدأت وهي تعبر شهر حملها الثامن تحسب لكل خطوة وفعل وقرار ألف حساب، ليس خوفا على حياتها، بل ولا على ما في أحشائها، بل على وصية الملك التبع الراحل الذي أحبته، ولم تمكنها الأيام والليالي من أن تسعد إلى جواره.
وبحسب وصية ذو اليزن، تملكت قمرية كل السلطة، بل وكثيرا ما كانت توقع مكاتباتها ومراسلاتها باسمه وخاتم ملكه، لحكام وشيوخ قبائل وأمراء وقادة جند البلدان التابعة لحكم حمير أو الحليفة، في دلتا مصر، والسودان وبلاد النوبة وبعلبك وفلسطين وصور، ومجمل كيانات جزيرة العرب شمالا وجنوبا، والكثير من البلدان الآسيوية حتى الشرق الأقصى وتخوم الصين.
وكانت في كل خطواتها تجري استشاراتها مع وزراء الملك - الراحل - وأخصهم وأقربهم إلى قلبها الوزير الحكيم يثرب.
وأحاطت قمرية قرارتها الكبرى والمصيرية بالكثير من السرية والحرص، حتى ولو تطلب الأمر عقد اجتماعاتها داخل مخدع التبع الراحل، وهي ممددة على فراشها.
ومما دفع بها إلى اللجوء إلى ذلك الأسلوب من السرية والتكتم، حرصها الشديد على إتمام شهور حملها، خاصة وأن بعض العناصر الحاقدة بدأت تظهر على المسرح، والتي رفضت أن تحكم حمير امرأة.
وقد حاولت الرد على ادعاءاتهم لاجئة إلى محصلتها التاريخية التي اشتهرت عنها، معيدة إلى الأذهان حكم شهيرات النساء لحمير، من بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل وحكمها المترامي لحمير وتوابعها، وانتهاء بالملكة «تدمر» ابنة التبع حسان بن أسعد، الذي اغتاله ليلة عرسه الدامي - بالحيلة - كليب بن ربيعة، وخطيبته الجليلة بنت مرة؛ بقولها: وها هي حرب البسوس الانتقامية التي نشبت بسبب ذلك الاغتيال، تدور رحالها على مشارف الشام وفلسطين والبقاع.
بل هي كثيرا ما أشهرت وصية التبع ذو اليزن ذاته، التي يوصي فيها بأن تحكم «امرأتي الأميرة قمرية لحين أن تسلم الحكم ما في أحشائها.»
وكم من مرة أيضا أعادت إلى الأذهان حكم الملكة «سميراميس» لبابل وآشور معا؛ أي في وادي الرافدين وآسيا الصغرى بكاملها، وفي بعض الأحيان، تصل بها ثورتها إلى حد المطالبة بإحلالها من وصية التبع الراحل، لتصبح في حل من كل هذا.
كانت تعرف - من طرف خفي - أن تلك الفتن والمكائد والمنغصات التي أصبحت تثار ضدها حتى داخل بلاطها الحاكم نفسه، مصدرها إثيوبيا وملكها «سيف أرعد» ووزيره «سقرديون»، لإجهاضها والإيقاع بها عن طريق استخدام مختلف الطرق والمصائد.
وكل ذلك يجري لها وهي حامل في أيام معاناتها الأخيرة، دون رحمة ودون تفهم لأبعاد ما يحاك ضد عاصمة التباعنة الجديدة - أحمرا - من مؤامرات، يستعر أوارها ليل نهار دون هوادة، أو حتى خجل إزاء ما يقع وينكشف أمره تباعا من خداع لقتلها واغتيالها، أو إجهاض ما في داخل أحشائها، بينما هي تحرص عليه حرصها على عينيها ذاتهما لكي تسلم الأمانة كاملة غير منقوصة.
صفحه نامشخص