(فصل) وأما مناقبه عليه السلام وخصائصه في حسن الخلق
، كان عليه السلام كما قال تعالى في صفة جده خاتم المرسلين صلوات الله عليه وعلى آله: {وإنك لعلى خلق عظيم}،(1) إذا نظر إليه الناظر رأى صفحات خده تهلل بشرا، في جوانب غرته تلمع نورا، بساما من غير ضحك، حسن المباحثة، يوقر الكبير ويعظمه وينزله منزلته، ويحب الصغير ويرحمه، ويرق قلبه لليتيم، يؤنس بقوله وفعله وحشة الغريب، كلامه حكمة وصواب، ورأيه رشد وسداد، يهدي إلى الحق ويدعو إليه، ويصرف عن الباطل ولا ساكت عليه، إن سكت فهو حياء من غير عي، وإن تكلم فهو رشد من غير غي، ليس بالصخاب ولا العياب، ولا الملق ولا الخرق، فما أحقه بقول واصف الأخلاق: كريم له أخلاق خلقن من الكرم المحض، وشيم يشام منها بارقة المجد، لو مزج بها البحر لعذب طعمه، ولو استعارها الزمان لما جار على أحد حكمه، قد جمعت الأهواء المتفرقة في محبته، وتوالت الآراء المشتتة في مودته، فإذا نظرت إلى حسن منظره الذي يملأ العيون، وجلال هيبته الذي كان فيه سوق المنون، وأخلاقه التي هي أصفى وأرق من الدر المكنون؛ قلت كما قال تعالى في كتابه الكريم في قصة يوسف عليه السلام أو كما قال بعضهم:
يقول رائيه إجلالا لطلعته .... تبارك الله ما هذا من البشر
فلو تقدم في عصر مضى نزلت .... في مدحه معجزات الآي والسور
وأنا أستغفر الله العظيم من التفريط في حقه، لا من التفريط في مدحه.
(فصل) وأما خصائصه عليه السلام في جودة الرأي وحسن السياسة، وتوقد الألمعية
فاعلم أنه عليه السلام كان من لطيف الفكر الغميق، وثبات الرأي الوثيق، ما يحيط بفلك الصواب، ويدور بكواكب الرشد والسداد، ولقد كان أولوا السن والتجارب يصقلون سيوف آرائهم، ويقودون بزمام هدايته ناكب إعراضهم، ولقد كان يخبر عما لم يقع بما كأنه وقع من طريق الحدس والفراسة، حتى يظن السامع أنه يكشف له عن أسرار الغيوب، وأن له مرآة تريه مكنونات القلوب. شعرا:
صفحه ۲۳