سینما و فلسفه
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
ژانرها
يطرح الفصل السابع السؤال التالي: هل نحن من نكتب حياتنا؟ هل نحن أحرار في اختياراتنا أم أننا ضحايا للقدر؟ ما معنى امتلاك إرادة حرة؟ هل نكون مسئولين عن أفعالنا إذا افتقدنا الإرادة الحرة؟ دليلنا في الإجابة عن هذه الأسئلة هو فيلم آخر لسبيلبيرج: «تقرير الأقلية» (مينورتي ريبورت) من إنتاج عام 2003. عادة ما يناقش هذا الفيلم من زاوية القضايا الفلسفية المرتبطة بالإرادة الحرة، وهي مناقشة لها ما يسوغها؛ فالفيلم يواجه قضية حرية الإرادة مواجهة مباشرة وطموحة، ويقدم تجربة افتراضية استثنائية حول العلاقة بين الإرادة الحرة والمسئولية الأخلاقية. (هذا ما يطلق عليه في الفيلم «مبادرة ما قبل الجريمة».) لكن في الوقت نفسه يبدو «تقرير الأقلية» ملتبسا بعض الشيء، وسوف نحاول معالجة أوجه الالتباس مراعين الحفاظ على قوة الفيلم الفلسفية دون مساس.
أما الفصل الثامن فيطرح الأسئلة التالية: ما هي حقيقة أنفسنا؟ ومم تتشكل هويتنا؟ وما الذي يجعلنا أفرادا مميزين بمرور الزمن ومع خوض الكثير من التغيرات؟ نستخدم في هذا الفصل فيلم كريستوفر نولان «تذكار» (ميمنتو) (2000) للتركيز على رؤية فلسفية نموذجية للهوية الشخصية، ألا وهي نظرية الاستمرارية النفسية. «تذكار» هو فيلم آخر من الأفلام التي كثيرا ما نوقشت في الفلسفة وفي الدراسات السينمائية . وذلك أمر مفهوم لأنه يقدم دراسة فذة لشخصية فرد يخرق جميع القواعد؛ إذ يعيش حياته دون الترابط النفسي المألوف الذي تخلقه الذاكرة. تركز مناقشتنا لهذا الفيلم على ما سنطلق عليه تحدي «تذكار». هل سيقدر الفلاسفة على مجابهة هذا التحدي؟
يعيد الفصل التاسع انتباهنا مباشرة إلى الأفلام نفسها. لقد ناقشنا عددا من قضايا فلسفة السينما في الجزء الأول. وفي هذا الفصل نلقي نظرة متفحصة على قضية بعينها في الفلسفة والسينما، اخترناها لأنها تعد بتسليط ضوء كاشف على طبيعتنا الأولية. إنها قضية مشاهدة الرعب. لماذا يشاهد الناس أفلام الرعب؟ كيف يستمدون المتعة من الرعب الذي تبثه الأفلام في نفوسهم؟ إن تجربة الرعب أعقد من شعور الخوف العادي؛ إذ تتضمن مشاعر أخرى إضافة إلى الخوف، مثل النفور والتقزز والتوجس. ماذا نستنتج عن طبيعتنا من حقيقة أننا قد نستمد المتعة من تجربة الرعب ومن مشاهد العنف البشعة؟ نستخدم في هذا السياق فيلما متميزا للمخرج النمساوي مايكل هانيكه لمساعدتنا في فهم تلك القضايا. فيلم هانيكه «ألعاب مسلية» (فاني جيمز) (نسختا عام 1997 وعام 2007؛ فقد أخرجه مرتين) يقدم استقراء بالغ الجلاء والقوة لقضية مشاهدة الرعب والعنف.
وأخيرا نعود في الفصل العاشر إلى قضايا أقل إثارة للخلاف، لكنها لا تقل عمقا رغم ذلك. موضوع هذا الفصل هو الموت ومعنى الحياة، ونسترشد في تناولنا له بفيلم للمخرج الياباني العظيم أكيرا كوروساوا عام 1952 وهو «أن تحيا» (إيكيرو). الفيلم معقد وأبعد ما يكون عن المباشرة في التناول، لكنه يستحق دراسة متفحصة عن جدارة. يسلط الفيلم الضوء على الكثير من ملامح المجتمع الياباني بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه يعالج أيضا فكرة رئيسية بسيطة ذات طابع إنساني عالمي، ألا وهي كيف نحيا؟ كيف نحيا حياة ذات معنى؟ تكتشف الشخصية الرئيسية في الفيلم، واتانابي، الإجابة عن تلك الأسئلة بينما تخوض معركة ضد سرطان لا شفاء منه. (هو فيلم مؤلم حقا، لا ينتمي إطلاقا إلى نوعية الأفلام السخيفة الجياشة العاطفة، بل هو النقيض التام لبكائيات هوليوود السينمائية الرخيصة.)
الفصل السابع
القدر والاختيار: فلسفة «تقرير الأقلية »
مقدمة
تخيل أنك سافرت إلى مستقبل يبعد 36 ساعة عن زمنك كي تزور ذاتك المستقبلية، وعندئذ شاهدتها ترتكب جريمة قتل؛ فهرعت عائدا إلى زمنك مصمما على منع حدوث هذه الجريمة؛ فهل بوسعك منعها؟ بفرض أن الرؤية الرباعية الأبعاد للزمن صحيحة (راجع الفصل السادس)، وبفرض أنك سافرت حقا إلى المستقبل وأن الشخص الذي رأيته يقتل هو بالفعل ذاتك المستقبلية، ستصبح الإجابة عن هذا السؤال هي لا بالطبع، لن تقدر على منع نفسك من ارتكاب الجريمة. لقد قدر عليك ارتكابها. ويبدو أن لا خيار لك في هذه المسألة. لكن إذا كان ذلك قدرك، ولا خيار لك في هذه المسألة، فبأي حق تعد مذنبا؟ هل أنت مسئول أخلاقيا عن أفعال لا تستطيع منعها؟ أهلا بك في عالم فلسفة الإرادة الحرة المليء بالتحديات، والذي لا يخلو من الغرابة في بعض الأحيان.
في فيلم «تقرير الأقلية» يجابه جون أندرتون ظرفا مشابها لما وصفناه لتونا. لكن أندرتون لا يسافر عبر الزمن، إنما يشهد لحظة ميلاد نبوءة صادرة عن ثلاثة عرافين، يخبرونه أنه حتما وقطعا سيقتل رجلا لم يسمع عنه قط من قبل، يدعى ليو كرو، في غضون 36 ساعة. العرافون لا يخطئون أبدا، أو هكذا يؤكد لنا الفيلم؛ فهم منحوا هبة التنبؤ، بل وفوق هذا، هم قادرون فعليا على رؤية المستقبل، هم شهود على مستقبل أندرتون حين يطلق الرصاص على كرو. هل بوسع أندرتون مراوغة قدره؟ قد تقترح عليه محاولة الهرب من المدينة، لكننا في فيلم هوليوودي؛ ومن ثم يتفتق ذهن أندرتون عن خطة مختلفة، فيقتفي أثر ليو كرو حتى يجده ويواجهه وعندئذ يطلق عليه الرصاص.
حتى الآن يبدو أننا نكرر مناقشتنا لقضية السفر عبر الزمن التي عرضناها في الفصل السادس. فثمة رابط ما بين مصير أندرتون ومفارقة الجد. حسب مفارقة الجد يبدو وكأنك تستطيع العودة إلى الماضي ومنع ولادتك، لكنك بالطبع لا تقدر على ذلك. أنت تمتلك القدرة على فعل «الأشياء» التي قد تتضمنها مهمة منع ولادتك، لكنك لا تقدر على فعل هذا الشيء تحديدا في هذا الوقت تحديدا. لا يمكنك فعله لأن هذا الشي لم يفعل في الماضي، أنت لم تمنع ولادتك لأنك قد ولدت بالفعل. في قصة أندرتون وكرو، يبدو كما لو أن أندرتون يمتلك القدرة على الهرب من مصيره (فماذا لو اكتفى بالمكوث في البيت ومشاهدة التليفزيون على مدار بضعة الأيام التالية؟) لكنه في الحقيقة لا يملك تلك القدرة حقا. هو يفتقر إلى القدرة على تغيير قدره لأنه قدره. لقد تحدد بالفعل أنه سيقتل كرو. انتهى الأمر.
صفحه نامشخص