سینما و فلسفه
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
ژانرها
لا يقع نموذجنا المستقى من سلسلة أفلام باتمان تحت مبدأ الدفاع المبرر عن النفس، بشروطه التي أوضحناها. فإذا قتل المدنيون، على سبيل المثال، السجناء على العبارة الأخرى، فإنهم لا يقتلون في هذه الحالة أفرادا يحاولون قتلهم عن عمد ودون وجه حق. وفعل القتل الذي سيرتكبونه لن يعتبر دفاعا مبررا عن النفس، بل سيقتلون في هذه الحالة أفرادا لا يضمرون لهم، على حد علمهم، أي شر على الإطلاق. وسيكون الهدف من فعلتهم هو منع شخص آخر (الجوكر) من قتلهم. إنه موقف بشع، لكنه لا يمنح أيا من الطرفين رخصة للقتل بحجة الدفاع عن النفس؛ فلا يفترض بنا قتل أناس لا ينتوون إيذاءنا لا لسبب سوى منع موتنا نحن على يد شخص آخر. ولا يفترض بنا قتل أناس لا لسبب سوى احتمال أن يحاولوا قتلنا عما قريب. لا بد لنا من التحقق من أنهم يحاولون قتلنا عن عمد ودون وجه حق، أو نكون على الأقل واثقين دون أدنى شك أنهم كذلك. تخيل أن الجوكر ركب شاشة تليفزيونية في كل عبارة تبث ما يحدث في العبارة الأخرى. في هذه الحالة سيشاهد ركاب إحدى العبارات ركاب العبارة الأخرى بينما يتوجهون نحو زر التفجير عاقدين العزم على الضغط عليه. هل يكفي هذا لتبرير قيامهم بالضغط على الزر أولا قبل خصومهم؟ ربما. قد يفكرون على النحو التالي: نحن متأكدون من أن خصومنا في تجربة الجوكر يحاولون في هذه اللحظة قتلنا عن عمد ودون وجه حق، وأملنا الوحيد في منعهم هو قتلهم أولا؛ ومن ثم يمكننا الضغط على الزر في دفاع مبرر عن النفس. في لعبة الجوكر، من يتحركون أولا يصبحون أهدافا للقتل المبرر على يد منافسيهم. على الصعيد الآخر، من يتحركون أولا فرصة نجاتهم أكبر بكثير (مع استبعاد تدخل باتمان). وليس بوسع المدنيين أو السجناء التأكد من ذلك.
كيف يضع منظرو أخلاق الواجب المعاصرون المبادئ الأخلاقية؟ الطريقة التي نتبعها هي ابتكار مبدأ ما يبدو صائبا على نحو بديهي ثم تطبيقه على موقف واقعي لمعرفة ما إذا كانت معقولية المبدأ البديهية ستظل صامدة. بالتأكيد ينبغي لنا دراسة مجموعة متنوعة من الحالات. وإذا واجهتنا مشكلة، يجب علينا الرجوع إلى المبدأ وتحديد ما إذا كان يمكن تعديله لأجل التعامل مع المشكلة المطروحة. نسعى لتحقيق توازن بين المزايا النظرية للمبادئ العامة والدعم البديهي الذي تكتسبه عند تطبيقها على حالات بعينها. فنطرح أسئلة من قبيل: هل المبدأ عام بما يكفي؟ هل يتوافق مع المبادئ الأخرى؟ هل توجد طريقة فعالة ومقنعة بديهيا لترتيب المبادئ المتعارضة؟ هل يتمخض المبدأ عن نتائج مقنعة بديهيا في الحالات الواضحة؟ هل يمكن الاعتماد على هذه البديهيات أم هي قابلة للتلاعب والتشويه؟ هل من المفيد محاولة فهم الحالات غير الواضحة؟ وغيرها من الأسئلة. يصف الفلاسفة هذه المنهجية بأنها بحث عن «توازن تأملي».
5
ولدى أتباع نظرية أخلاق الواجب مناهج بديلة. على سبيل المثال، يستمد أتباع كانط المبادئ الأخلاقية من افتراضات مسبقة حول المنطق العملي. عندما نفكر على نحو يوظف المبادئ، فإننا نلزم أنفسنا ضمنيا بنوع من الصرامة المنطقية. لا ينبغي لنا على سبيل المثال تطبيق مبدأ ما على أنفسنا وتطبيق مبدأ مختلف على الآخرين، بل علينا اتباع المبادئ التي يمكن للجميع استخدامها، لا المبادئ المصممة خصوصا لخدمة أغراضنا الذاتية . على حد قول كانط، يجب علينا تطبيق المبادئ التي يمكننا دفعها كي تصبح قانونا من قوانين الطبيعة الكونية (أي مبادئ يلتزم بها الجميع في الأوقات كافة). يؤدي هذا إلى محاولة استقاء المبادئ الأخلاقية من حالات الفاعلية العقلانية ذاتها. ويدور حاليا جدال مفعم بالحيوية، ولم يحسم بعد، بين أتباع نظرية أخلاق الواجب حول تحديد المنهجية المثلى؛ ويشبه هذا الجدال في حيويته وعدم قابليته للحسم الجدل الذي يستعر بين العواقبيين حول الشكل الأفضل من العواقبية.
النفعية مقابل أخلاق الواجب: هزيمة بالضربة القاضية الفنية أم فوز بقرار الأغلبية؟
إذا كان تحليلنا لتجربة الجوكر من منظور أخلاق الواجب صحيحا، فإنه سيسفر حينئذ عن استنتاج مناقض تماما للذي تمخض عنه تحليلنا النفعي السابق. إن تجربة الجوكر لا تكتفي باختبار جلد ركاب العبارتين من أهل جوثام سيتي، بل تختبر كذلك صدق الاستدلال النفعي وذلك القائم على أخلاق الواجب، وهي تختبر هذا النوع من الاستدلال في مواجهة الحدس. إن التجربة التي أعدها الجوكر من أجلنا تجربة اجتماعية بسيطة نوعا ما. وحدسنا على الأرجح هو ما سيدلنا على رد الفعل الصائب إزاءها. يسير باتمان، كما نعلم، على درب نظرية أخلاق الواجب، أو يقبل على الأقل تحليل الموقف من منظور هذه النظرية. ينحاز الحدس على ما يبدو إلى جانبه؛ فنحن لا نعترض على رد فعله، ويبدو لنا جميعا أنه رد الفعل الطبيعي والمناسب. لقد كشف أهل جوثام لتوهم عن معدنهم الحقيقي للجوكر، فهم أثبتوا له أنهم يتمتعون بشجاعة وحس أخلاقي أعظم مما افترض؛ إنهم أناس على استعداد للإيمان بالخير، على حد قول باتمان. بالطبع لا يمكن إنكار وجود تفسير يتسم بقدر أكبر من سوء الظن، على الأقل في حالة الركاب المدنيين. فرغم كل شيء، كان الركاب المدنيون على استعداد للتصويت لصالح تفجير السجناء. كيف يفترض بنا تفسير فشلهم في تنفيذ القرار الناتج عن التصويت؟ هل استيقظ الحس الأخلاقي داخلهم أم هو نوع من الجبن الأخلاقي؟ ربما لا يعكس موقفهم سوى عزوف عن تلويث أيديهم بالدماء. (بعبارة أخرى، ربما يعكس مجرد عزوف عن ارتكاب فعل يبدو سيئا، وسوف يعد فعلا سيئا حتى لو كان هذا الفعل هو الفعل الصائب في ظل الظروف الراهنة. ذلك هو جوهر ما يطلق عليه الفلاسفة «سيناريوهات الأيدي الملوثة». سوف نتناول هذا الموضوع تناولا أكثر تفصيلا في الفقرات التالية.) على الرغم من التفسير سيئ الظن لدوافع الركاب المدنيين، يظل رد فعلنا تجاه قرارهم بالامتناع عن تفجير عبارة السجناء إيجابيا. لو كان المدنيون فجروا السجناء، لبدا قرارهم سيئا؛ قرار مفهوم لكنه خاطئ ومخيف بعض الشيء.
إذن هل يثبت هذا أن العواقبية ليست إطارا مناسبا لطرح نظرية أخلاقية؟ ليس بالضرورة. لا يزال في وسع معتنقي العواقبية العديد من الخيارات الأخرى؛ فقد يعترضون على تفسيرنا وما يطرحه من أحكام حدسية على الموقف. وقد يرفضون القيمة الإثباتية لاستخدامنا للحدس، وقد يزعمون أن الحدس لا يعتمد عليه في حالات كتلك، وأنه في هذه الحالة تحديدا تلاعب صناع الفيلم بحدسنا (الجوكر مسخ، وبالطبع ستغدو المشاركة في لعبته قرارا سيئا)، أو ربما يدفعون بأن حدسنا لا يعتمد عليه بوجه عام.
النفعية القواعدية: حل وسط
قد يلجأ العواقبيون إلى سبيل آخر للرد، وهو اختيار صورة مختلفة من العواقبية آملين أن تسفر عن النتيجة الصحيحة في الحالات الشبيهة بتجربة الجوكر الاجتماعية. في تحليلنا النفعي لهذه الحالة، استخدمنا شكلا من النفعية يحدد أخلاقية الأفعال الفردية وفقا لعواقب الأفعال عند الحكم عليها كل على حدة. يطلق على هذا الشكل من النفعية نفعية الفعل. لكنه ليس سوى شكل محدد للغاية من أشكال العواقبية، ولا يمكننا الحكم على جميع السبل التي تستخدمها العواقبية لصياغة النظريات الأخلاقية بناء على الطبيعة غير الحدسية لنفعية الفعل وحدها. ربما كان الاستنتاج الصحيح الذي نستخلصه من تجربة الجوكر هو أن الاستدلال النفعي لا ينبغي تطبيقه على كل حالة على حدة. صحيح أن أفضل النتائج الموضوعية المتاحة في هذه التجربة - بافتراض أن باتمان لن يتدخل لإيقافها - تتضمن تفجير السجناء على أيدي المدنيين. لكن ماذا لو صغنا النظرية النفعية في إطار عواقب تبنينا لقواعد أو مبادئ معينة، وليس في إطار عواقب أفعال الأفراد؟ هذا بمثابة حل وسط بين العواقبية وأخلاق الواجب، يطلق عليه النفعية القواعدية. تحكم النفعية القواعدية على الأفعال في إطار المبادئ أو القواعد، مثل أخلاق الواجب، لكنها تستمد تلك القواعد من العواقب، كما هو متوقع من النظرية العواقبية. قد يوافق معتنقو النفعية القواعدية على أنه لا ينبغي للسجناء أو المدنيين الضغط على الزر. لكن ما هو المبدأ أو القاعدة التي تجعل من الضغط على الزر فعلا خاطئا؟ ما الذي يجعل قاعدة أخلاقية محتملة أفضل من قاعدة أخرى؟ يعتمد أحد مبادئ الدفاع عن النفس المبرر والمفضي إلى القتل على مناشدة الحدس، أو - كما قد نأمل - على مناشدة التوازن الانعكاسي في نهاية المطاف. يرفض النفعيون القواعديون هذه المنهجية، ويزعمون أن سبيلا أفضل للوصول إلى مبدأ أخلاقي مقبول هو فهم عواقب تبني المبدأ.
ما مبدأ الدفاع عن النفس الذي سيعظم النفع على المدى الطويل إذا امتثلنا له بوجه عام؟ إذا اتبعنا مبدأ مفرطا في مرونته، فسيصبح قتل أحدهم بحجة الدفاع عن النفس أمرا في غاية السهولة، ستقتل أعداد كبيرة من الناس وستشعر بقيتنا بانعدام الأمان. وإذا اتبعنا مبدأ متشددا، فسيلقى القتلة المحتملون تشجيعا، وستنتهي الحال مجددا بتعرض أعداد كبيرة للقتل بينما ستشعر بقيتنا بالعجز في وجه الهجمات المحتملة على حياتنا. نرغب إذن في مبدأ من شأنه أن يقلل من القتل إلى الحد الأدنى ويعظم من إحساسنا بالأمان ومن سيطرتنا على حياتنا. إن مبدأ الدفاع عن النفس المبرر الذي سنصوغه قد يحقق ما نريده بالضبط وقد لا يحققه. فمن منظور النفعيين القواعديين، الشيطان يكمن في التفاصيل، وحقيقة أن مبدأ ما يروق لنا بداهة لا تعني شيئا تقريبا، ما يهم هو مدى فاعلية المبدأ، وما إذا كان يراعى بوجه عام.
صفحه نامشخص