فى المعانى لطرحوا أكثر ذلك فربحوا كدّا كثيرا، وأسقطوا عن أنفسهم تعبا طويلا.
ودليل آخر؛ إنّ الكلام إذا كان لفظه حلوا عذبا، وسلسا سهلا، ومعناه وسطا، دخل فى جملة الجيّد، وجرى مع الرائع النادر؛ كقول الشاعر «١»:
ولمّا قضينا من منى كلّ حاجة ... ومسّح بالأر كان من هو ماسح
وشدّت على حدب المهارى رحالنا ... ولم «٢» ينظر الغادى الّذى هو رائح
أخذنا بأطراف «٣» الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطىّ الأباطح
وليس تحت هذه الألفاظ كبير معنى، وهى رائقة معجبة، وإنما هى: ولمّا قضينا الحجّ ومسحنا الأركان وشدّت رحالنا على مهازيل الإبل ولم ينتظر بعضنا بعضا جعلنا نتحدّث وتسير بنا الإبل فى بطون الأودية.
وإذا كان المعنى صوابا، واللفظ باردا وفاترا؛ والفاتر شرّ من البارد، كان مستهجنا ملفوظا، ومذموما مردودا، والبارد من الشعر قول عمرو بن معدى يكرب:
قد علمت سلمى وجاراتها ... ما قطّر الفارس إلّا أنا «٤»
شككت بالرّمح سرابيله ... والخيل تعدو زيما حولنا «٥»
وقول الفند الزمانى:
أيا تملك يا تمل ... وذات الطوق والحجل
ذرينى وذرى عذلى ... فإنّ العذل كالقتل
وقول النمر:
يهينون من حقروا شيبه ... وإن كان فيهم يفى أو يبر
1 / 59