عن ساقه، وزهوه بأطماره، وإنعال خفّه، وترقيع ثوبه، وإظهار سجّادته؛ وتعليق سبحته، وخفض صوته، وخشوع جسمه دون قلبه، واختلاس مشيته، وخفّة وطئه بين قومه. ولا يرتشى فى حكمه، ويأخذ على علمه، ويطلب الدنيا بدينه، ولا يرفع طرفه من عظمته وكبريائه، ولا يكلّم الناس من تصنعه وريائه.
فهذا الكلام وأمثاله فى طول النّفس يدل على اقتدار المتكلم، وفضل قوّته فى التصرّف.
وقوله: ويكون سليما من التكلّف. فالتكلّف طلب الشىء بصعوبة للجهل بطرائق طلبه بالسهولة. فالكلام إذا جمع وطلب بتعب وجهد، وتنولت ألفاظه من بعد فهو متكلّف. مثاله قول بعضهم فى دعائه: اللهم ربّنا وإلهنا، صلّ على محمد نبيّنا؛ ومن أراد بنا سوءا فأحط ذلك السوء به، وأرسخه فيه كرسوخ السّجّيل على أصحاب الفيل، وانصرنا على كلّ باغ وحسود، كما انتصرت لناقة ثمود.
وقوله: برّيا من سوء الصّنعة. فسوء الصنعة يتصرّف على وجوه: منها سوء التقسيم وفساد التفسير، وقبح الاستعارة والتطبيق، وفساد النّسج والسّبك.
وسنذكر المحمود من هذه الأبواب، والمذموم منها فيما بعد إن شاء الله.
وروى أنه قال: بريّا من الصنعة. فالصّنعة النقصان عن غاية الجودة، والقصور عن حدّ الإحسان. وهو مثل قول العائب فى هذا الأمر- بعد عمل- معناه أنه لم يحكم.
ولمّا دخل النابغة يثرب «١» وغنى بقوله «٢»:
أمن آل ميّة رائح أو مغتدى
ومن هذه القصيدة «٣»:
1 / 44