جميع أنواعه، وبهذا فضّلوا جريرا على الفرزدق. وقالوا: كان له فى الشعر ضروب لا يعرفها الفرزدق. وماتت امرأته النّوار فناح عليها بشعر جرير «١»:
لولا الحياء لها جنى استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار
وكان البحترى يفضّل الفرزدق على جرير، ويزعم أنه يتصرّف من المعانى فيما لا يتصرّف فيه جرير، ويورد منه فى شعره فى كلّ قصيدة خلاف ما يورده فى الأخرى. قال: وجرير يكرّر فى هجاء الفرزدق ذكر الزبير، وجعثن، والنوار «٢»، وأنه قين مجاشع. لا يذكر شيئا غير هذا.
وسئل بعضهم عن أبى نواس ومسلم؛ فذكر أن أبا نواس أشعر؛ لتصرّفه فى أشياء من وجوه الشعر وكثرة مذاهبه فيه، قال: ومسلم جار على وتيرة واحدة لا يتغيّر عنها.
وأبلغ من هذه المنزلة أن يكون فى قوة صائغ الكلام أن يأتى مرّة بالجزل، وأخرى بالسهل؛ فيلين إذا شاء، ويشتدّ إذا أراد. ومن هذا الوجه فضّلوا جريرا على الفرزدق، وأبا نواس على مسلم. قال جرير «٣»:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعى بسلام
تجرى السّواك على أغرّ كأنه ... برد تحدّر من متون غمام
فانظر إلى رقّة هذا الكلام. وقال أيضا «٤»:
وابن اللّبون إذا مالزّ فى قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس «٥»
فانظر إلى صلابة هذا الكلام.
1 / 24