قال وليم قوله ضاحكا، أما لوسيل فظلت ساكتة. - كلميني يا عزيزتي، فقد حيرني أمرك والله، وهل لي أن أعرف من هو الرجل، وما عسى أن يكون شأنه؟
اسمع يا عزيزي وليم، أخبرك بما جرى ليلة أمس واليوم، ولكني أستحلفك أن لا تسألني أن أطلعك على سوابق حالي، وأرجوك أن لا تؤنبني ولا تغير ظنك بي، فأنا أعلم مقدار حبك لي، ولكنك قد تجهل مقدار حبي لك، رسمك دائما أمامي، وذكراك أثناء تغيبك لم تذهب يوما من قلبي، ليس لي سواك في هذا العالم ولا ...
فقاطعها وليم قائلا: لا حاجة لهذه الديباجة، أخبريني ماذا جرى ولا تكتمي شيئا.
أجابت لوسيل طلبه فأعلمته بما حدث في عشرين ساعة مضت، منذ مجيء توفيق زيدون الليلة البارحة حتى أصيل ذاك النهار، وكان وليم وهو يستمع حديثها جالسا في الكرسي جامد العين، أصفر اللون، بل كان كتمثال من الشمع، ثم نهض من الكرسي فورا وطفق يتمشى في الغرفة منكس الرأس، ويداه مضمومتان وراء ظهره. ظل كذلك بضع دقائق لا ينبس ببنت شفة.
تقولين: إنه سرق مالك وضربك وهم بقتلك، وطردك من بيته؟ لوسيل عزيزتي، وعدتك أن لا أستطلع ماضيك في هذا البلد، وعدتك ألا أؤنبك. ارفعي رأسك لوسيل ولا تبكي، كل ما أقوله يا حبيبتي هو ذا: ليس الرجل وحده ملوما، ولكن غلطة الفتاة تغتفر قبل غلطة الشاب، وأنت أختي، أختي الحبيبة، لا شيء يزعزع حبي لك، ولا شيء يغير حسن ظني بك، على أني أسألك أمرا واحدا، ولا أقبل منك فيه رفضا وإلا نسيتك، أنكرتك، محوت من قلبي رسمك وذكرك، أسألك يا لوسيل أن تعودي معي إلى البيت حالا. قولي: نعم، عديني بذلك.
ولكن قبل أن تفوه لوسيل بالجواب قرع جرس الباب، فذعرت وهتفت قائلة: هو ذا. - مكانك. أنا أقابله.
فصاحت: لا، لا، وقد أمسكت بيده. - مكانك يا أختي، وسكني روعك. - ولكن أعطني المسدس، أعطنيه. وقابله إذا شئت. - ليس هذا من شأنك؛ فقد انتهى أمرك والرجل وابتدأ أمري. - أرجوك أن تعطيني المسدس. - أرجوك أن تجلسي وتسكتي.
تفلت من يديها وراح يفتح الباب، فإذا برجل هناك، فخاطبه بصوت هادئ قائلا: أنت توفيق زيدون؟ - نعم. - أنا أخو لوسيل، جئت أخبرك أنها لا تستطيع أن تقابلك.
وهي تهديك هذا المسدس علك تكون في حاجة إلى المال فتبيعه وتتصرف بثمنه. خذه، خذه.
لبث زيدون جامدا كالصنم، فلم يمد يده ولا حرك شفتيه، أما وليم فوضع المسدس في جيبه ولطمه على خده بقفا يده. - نذل، لص، جبان، إذا لم تكن في حاجة إلى المال فأنت في حاجة إلى المسدس، خذه، تصرف به كيف شئت. قال ذلك وأقفل الباب، ثم عاد إلى لوسيل يقول: إذا كان لا خير البتة في هذا المخلوق فالمسدس ألزم له، إذا كان لم يزل في نفسه بذرة صلاح واحدة فالمسدس لا يضره. لننسه الآن، انسيه يا عزيزتي لوسيل، انسيه وتعالي إلي، تعالي أقبلك.
صفحه نامشخص