مباديه، وتبهج تواليه. رأي كالسهم أصاب غرة الهدف، ودهاء كالبحر في بعد الغور وقرب المغترف. لا يضع رأيه إلا مواضع الإصابة، ولا يصرف تدبيره إلا إلى مواقع السداد والأصالة. له فكر عميق، ورأي وثيق. يعرف من مبادئ الأفعال، خواتم الأعمال، ومن صدور الأمور، أعجاز ما في الصدور. رويته رأي طبيب، وبديهته قدر مصيب. يسافر رأيه وهو دان لم ينزح، ويسير تدبيره وهو ثاو لم يبرح. له رأي لا يخطيء شاكلة الصواب، ولا يخشى عليه بادرة العثار. فلا يخمر الرأي ويجيله، ويجيد الفكر ويطيله، حتى يحصل على لب الصواب ومحض الرأي. إذا أذكى سراج الفكر أضاء الظلام. هو قطب الصواب تدور به الأمور، ومستنبط صلاح يرد إليه التدبير، يرى العواقب في مرآة عقله، وبصيرة ذكائه وفضله. رأي يرد السيف مثلما، والرمح مقلما. آراؤه سكاكين في مفاصل الخطوب. له رأي لا تغيب كواكبه. رأي طبيب داء المملكة. رأي منير، وللأعداء مبير. كأنه ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق، ويطالعه بعين الإلهام والتوفيق. فلان يرى بأول رأيه آخر الأمر، وأصاب شاكلة الصواب في رأي محضه، وتدبير مخضه. عجبًا لرأيه الذي يستنبط دفائن القلوب، ويستخرج ودائع الغيوب. قد سرينا من مشورته في ضياء ساطع، ومن رأيه الصواب في حكم قاطع.
التجربة والحنكة
قد وضعت كثرة التجارب في يده مرآة العواقب. قد نجدته مصارف الدهور، وحنكته مصائر الأمور. قد أرضعته الحنكة بابانها، وأدبته الدربة في إبانها. فلان بازل، التجارب حنكته، والأيام عركته. لا تكاد الأيام تريه من أفعاله عجيبا، أو تسمعه من أحواله غريبا. فلان عارف بتدبير الزمان، عالم بتصاريف الأيام. آخذ ببرهان التبريز، نافذ في مجا التحصيل والتمييز. قد صحب الأيام، وتولى النقض والإبرام. هو ابن الدهر حنكة وتجريبا، وعودًا
1 / 65