يبين لبعض الذين يأخذون بظواهر الأشياء أن السيدة المحجوبة هي موضوع الاحترام والإجلال، أو في نظر أبيها وزوجها أكثر احتراما ورعاية من تلك الفلاحة التي لا حجاب عليها، ولكن ذلك خطأ محض؛ فان الفلاحة ملحوظ فيها أنها إنسان أمين على نفسه، أي إنسان تام الخلقة، له من الحرية ما وهب الله لكل مخلوق، أما السيدة أو الهانم فإنه ملحوظ فيها أنها ليست أمينة على نفسها، لا قوام لها بغير المراقبة الشديدة، أو لا وجود لها إلا بصفتها متعلقة بإنسان آخر، هو وليها أو زوجها.
وهو يتحدث عن اللغة العربية فيقول:
ولقد نتج من ذلك أن علماءنا الذين لا يعرفون العربية الصحيحة قد تقطعت بهم أسباب التأليف بلغتنا، وعدم وسائل ترجمة العلوم المختلفة من اللغة الأجنبية التي تعلموا العلم بها.
ومن نوابغنا في العلم من كتب آراءه بالفرنساوية دون العربية، ومن محامينا الفصحاء من إذا جادلته في مسالة قانونية استسهل أن يخرج لك كثيرا من المعاني لابسة صورتها الفرنساوية بألفاظها الفرنساوية، كأن المعنى قار في ذهنه كذلك.
لهذا الاعتبار دعتنا حاجة البيان إلى أن نفكر في غرض مزدوج هو الكلام في جعل اللغة العربية لغة العلم الحديث في القرن الحديث، وجعلها فوق ذلك حية متداولة على الألسن، مستعملة يوميا في الخطب والمرافعات وأحاديث السمر، بل في مساومة السلع في الأسواق.
إننا ندع إلى جانب ما يتهموننا به من حب القضاء على اللغة العربية، وما يدعون علينا من أننا نريد إحلال اللغة المريضة محل اللغة الصحيحة ، ندع ذلك إلى جانب، ونرجو خصومنا أن يرجعوا النظر فيما كتبناه في جميع فصولنا الماضية في هذا الموضوع ونبين من جديد هذا الغرض المزدوج.
اللغة العربية لا تكون لغة العلم الا إذا كانت هي لغة التعليم واشتملت على موسوعات العلوم العصرية المختلفة، وقد كان الطريق العادي القريب لذلك هو الترجمة، كذلك بدأت نهضتنا العصرية، ولقد قابلت أحد الذين يشتغلون بالترجمة قبل أن أكتب أول مقالة (في اللغة) وسألته عن حاله، فأجابني: تلك حال لا تسر، وصعوبة تكاد لا تتخطى في ترجمة العلوم إلى اللغة العربية.
قلت: لا بأس عليك، إن في اللغة العربية كلمات كثيرة، فاستخدم منها ما شئت لما شئت من المسميات التي ليس لها في القاموس أسماء، استخدم بعلاقة النسب قال: فإن لم أجد؟ قلت له: انحت اسما من وظيفة المسمى. قال: فإن لم أستطع. قلت: ما عليك إلا أن تثبت الاسم الإفرنجي في العربية كما هو في اللاتينية أو اليونانية مع المحافظة على موازين اللغة بقدر المستطاع. •••
أني أعزو كثيرا من تربيتي الصحفية إلى لطفي السيد، فقد كنت أوالي قراءة مقالاته سواء وأنا في مصر أو في إنجلترا، وكانت لي بمثابة الكشف الذهني لمعاني السياسة الوطنية في مصر؛ ذلك أن المقطم كانت تؤيد سياسة الإنجليز تأييدا تاما، وكانت الأهرام تؤيد سياسة فرنسا وتعارض السياسة البريطانية، وكانت اللواء والمؤيد كلتاهما تعارض الاستعمار ولكن مع الزعم بأن مصر جزء من الدولة «العلية» أي العثمانية.
وكنت أجد حرجا في هذا الموقف السياسي، ولم أكن على نضج وفهم بحيث أفهم أن مصطفى كامل باعث الوطنية المصرية إنما كان يستند إلى الدولة العثمانية توسلا وحيلة فقط لمكافحة الاستعمار البريطاني، كما اتضح ذلك في الشهرين الأخيرين قبل وفاته، حين حمله ضميره على أن يصارح الأمة، فكتب يقول وكرر القول بأن مصر نهب لبريطانيا وتركيا معا، وعارضته المؤيد ووبخته بقولها: إنه يكتب كما لو كان عرابي.
صفحه نامشخص