تمج رشاشها على حياتي روحا وعبيرا وندى، وكأن الرجل طفل عزيز من أطفال قلبي، يملأ ما حوله ابتساما، وطفولة، ورقة، ولو أن أحدا خلق من عيني الطفل الضاحكتين لكان هو «الشيخ علي» رحمه الله، على أنه كان رجلا من سوسه القوة، معصوبا متكدسا،
4
يملأ جلده جذل من أجذال الشجر.
5 ••• ... وانقبضت نفسي انقباضة شديدة، إذ تغير الرجل في خيالي؛ فنظر إلي نظرة ينقدح منها شرر الغيظ، فلو أبصرت عيناك طائرا ضعيفا أراغه نسر، فاستطرده في نواحي الجو هكذا وهكذا،
6
ثم أهوى له بمخالبه، ثم سدد إليه نظرة غرزت هذه المخالب، وانفجرت بآلام لحمه ودمه - فاعلم أن تلك هي كنظرة الشيخ إلي، ولقد تبعثرت لها شياطين نفسي، فانطلقت يحاول كل شيطان منها مهربا، وكانت توسوس في صدري أن أستمد من روح الشيخ قوله في الحب، هذا الحب الذي مهما اعتبرته لم تجده إلا كإحياء الخيالات بقتل حقائقها. ... ثم ما لبث أن استضحك، وأطلق لي نفسي، وجاشت عيناه بنظراتهما الحكيمة، فقلت: ويحك يا نفس! إن عين الشيخ ترى من الجمال غير ما نرى، ثم تعلم علمها مما نظرت فيه، ثم تقدره على حساب ما تعلم منه؛ فما يدرك لعل هذا الرجل الروحاني لا يرى إلا ما وراء تلك البشرة الجميلة التي تكسو وجوه النساء الجميلات، كما نبصر نحن من وجوه الموتى، وقد تأكل جلدها، وتناثر لحمها، وبرزت عظما كسائر العظم من كل حيوان؛ فلا موضع قبلة، ولا سحر نظرة، ولا إشراق بسمة، وما هو إلا تركيب من العظم صنع هذه الصنعة؛ تيسيرا لما خلق له ... ولعله يا نفس لو حشر الله لعينيك أجمل الجميلات في صعيد واحد، وحشر معهن إناث البهائم صنفا صنفا، ثم نزع عن تلك الوجوه كلها ذلك الطراز من الجلد، وما وراءه من اللحم مزعة بعد مزعة،
7
حتى لا يبقى إلا الوضع في بناء العظام وهندستها؛ فما يدريك لعل أجمل الجمال عندنا هنا لا يكون حينئذ إلا أقبح القبح هناك؟
أفمن جلدة على وجه امرأة يجيء الشعر والجنون معا، ويجتمعان في هذا الخيال الذي يسمى الحب، ويستنزلان معاني التقديس من أعلى السماوات إلى عين تلحظ لحظة، وشفة تبسم بسمة؟
إنه القلم الإلهي المبدع الحكيم هو الذي صور ولون، وافتن ما شاء؛ فإن رزقت امرأة جلدة جميلة مشرقة كأنما تجري فيها الشمس، وألبست أخرى جلدة قبيحة سفعاء،
صفحه نامشخص