وكلما تراءت صورها في كدورة الماء حسبت ذلك عشقا من الماء لصورها البهيمية، ولا تعلم أنه يلعنها بإظهار بهيميتها لأعينها لو أنها تعقل أو تعي!
أيحسبون أن قلب المرأة حين يشترى بالمال يكون أطهر من خرقة قذرة تتناولها يد أقذر منها؛ أو أثمن من فتات مائدة يترك لحيوان أعجم؟ ... ألا إن قلب المرأة لا يباع أبدا، وإنما هي حين تبيعهم: تبيعهم معدتها باسم القلب ... إنك إن لم تأخذ القلب هبة ممن تحب، فما أنت من حبها في (خذ)، ولكن في (هات) وأخواتها ...
يحسب الناس أنه لا تفرط امرأة في الحب ما تفرط المرأة الساقطة، وما علموا أنها لا تجد الرجل فتجد الحب! إنما الرجال في عين هذه المرأة رجال مصنوعون، فهي معهم امرأة مصنوعة يملك كل رجل إغضابها؛ لأن صناعتها إرضاء كل رجل، ولعل هذا من رحمة الله بها؛ فإن أكبر شقائها أن تجمع الأقدار بينها وبين رجل تحبه، وتستهيم به؛ إذ تألم لذلك ألما خاصا فيه تهكم الرذيلة والفضيلة معا. إن هذا الرجل هو البطل الفذ الذي يكون في قدرته أن يرجع لها ذلك العالم الذي اطرحها ونبذها، فهو عندها يغمر الناس أجمعين،
26
ولكنها قلما وجدته إلا لتعرف به حقيقة عارها، وإذا قدر للأعمى أن يبصر ساعة واحدة، ثم يرتد إلى ظلامه، فما أبصر، ولكن تضاعف له العمى!
المرأة الساقطة يائسة من البعولة،
27
وذلك عقاب حياتها، ثم هي لا تندفع إلا في الطريق التي تكرهها، وذلك عقاب نفسها؛ فالله أرحم من أن يزيدها بلاء الحب الذي هو عقاب شرفها وفضيلتها؛ فإن ابتليت فقليلا ما يتفق ذلك، حتى إن الساقطة العاشقة عشقا صحيحا، وتبقى ساقطة أندر وجودا من البغي التائبة توبة صحيحة، وتبقى بغيا. •••
يا عجبا لضمير المرأة يضل في ليل دامس من ذنوبها، ثم تلمع له دمعة طاهرة في عينيها، فتكون كنجمة القطب؛ يعرف بها كيف يتجه، وكيف يهتدي، وكيف كان ضلاله، وكأن الله ما سلط الدموع على النساء، وجعلها طبيعية فيهن إلا لتكون هذا الدموع ذريعة من ذرائع الإنسانية، تحفظ الرقة في مثال الرقة، كما جعل البحار في الأرض وسيلة من وسائل الحياة عليها
28
صفحه نامشخص