صلى الله عليه وسلم : إنا لم نرد هذا ... وجعل يغسل الدم بيده من ثيابي، ويقول: رأيت كيف أبعدك الله منه ...»
وكان بره بمن مات من أزواجه أكرم من بره بمن يعشن معه ويراهن كل يوم. فلما ماتت زوجته الأولى خديجة - رضي الله عنها - حزن عليها، وسمى العام الذي قبضت فيه «عام الحزن» ووفى لذكراها طوال حياته، حتى لقد كانت عائشة تغار منها وهي في قبرها أشد من غيرتها من زوجاته اللواتي يعشن معها في كنفه، وقالت له يوما: هل كانت إلا عجوزا بدلك الله خيرا منها؟ فقال لها مغضبا: «لا والله! ما أبدلني الله خيرا منها. آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء.»
وإن هذا الوفاء لذكرى الزوجة الغابرة لخليق أن يرضي المرأة - حين تنسى غيرتها - أشد من رضاها عن مكاشفتها بالتفضيل في حياتها لجمالها وشبابها ونعيم عشرتها وصفائها. •••
ونحن لا نعتسف التوفيق والترتيب حين نقول عن ربة هذا الكتاب - عائشة بنت الصديق - إنها لوحظت في آداب العرب والإسلام كأنها الوجهة التي اتجهت إليها هذه الآداب في طريق الارتقاء والتهذيب.
فمن قسمتها في آداب العرب النسائية أنها نشأت في خلاصة تيم الذين اشتهروا بظرف الرجال وتدليل النساء.
من قسمتها في الإسلام أنها ملكت حقوق المرأة المسلمة وتجاوزتها؛ فملكت الحظوة التي يضفيها على نسائه نبي كريم، يتجاوز الحقوق المفروضة صعدا في معارج الكمال، وكانت هي بعد هذا صاحبة الحظوة الأولى بين هؤلاء النساء.
إنها لمجدودة من بنات حواء، ولهذا الجد السعيد شأن أي شأن في تاريخها الذي اتصل بتاريخ الإسلام.
المرأة الخالدة
إن المرأة التي اجتمعت لها خلاصة الرعاية في آداب أمة من الأمم لذات شأن في تاريخ قومها لا يسهو عنه باحث موكل بدراسة التاريخ أو دراسة الآداب.
وأعظم من ذلك شأن المرأة التي كتبت لها خلاصة الرعاية في دين من الأديان، والتي اشتركت في سيرة النبي المرسل بذلك الدين، ونقلت أحاديثه في أحكام شريعته وخطرات ضميره، ولقيت عنده الحظوة التي لم تلقها واحدة من النساء.
صفحه نامشخص