فآداب الرجال والنساء في بني تيم كانت مثالا للرعاية التي تظفر بها المرأة العربية في بيئة السيادة وبيئة الحضارة.
ولكنها لم تزل عربية في قرارها، ولم تنقطع عن آداب الأمة التي جعلت عرضها أحق شيء بالحماية، وأقمن حصن أن تمنعه وتغار عليه.
فكان أبو بكر نفسه مثلا من أمثلة الغيرة بين أهله وقومه، وقد قال ابن سيرين: كان أغير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن نفرا من بني هاشم دخلوا على زوجته أسماء بنت عميس، فكره دخولهم عليها، وشكاهم إلى النبي - عليه السلام - فقام على المنبر فقال: لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا أن يكون معه رجل أو اثنان.
ولما شبب عمر بن أبي ربيعة بعائشة بنت طلحة التيمية تجمع فتيان تيم فأنذروه لئن تعرض لها بعد ذلك ليقتلنه شر قتلة، فأقسم لا عاد.
وعائشة هي التي كانت تعاتب في كشف وجهها فتقول: «إن الله وسمني بميسم جمال أحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضله عليهم، فما كنت لأستره، ووالله ما في وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد.»
فهو دلال لا ينسى الصيانة، ورفق لا ينسى الغيرة، وآداب سيادة وحضارة لا تنسى الأصول المعروفة في آداب البداوة.
وفي هذه البيئة التي تحوطها الحمية والرعاية نشأت ربة هذه الدراسة وموضوع هذا الكتاب: عائشة بنت الصديق رضي الله عنها.
ولكنها تفردت برعاية لم تشركها فيها ولائد هذه البيئة؛ فقد تربت على النعمة والخير، وتدربت على العزة والكرامة، وتعلمت القراءة التي لم يكن يتعلمها من نجباء الأبناء في بيوت السادة إلا القلة المعدودة.
فصح أن يقال إن الرعاية التي ظفرت بها ربة هذه الدراسة كانت هي خلاصة الكرامة التي هيأتها لبناتها حمية البداوة، وصقلتها مع الزمن شمائل الحضر ومآثر الشرف والسيادة.
المرأة المسلمة
صفحه نامشخص