صلى الله عليه وسلم ، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته.»
وقيل إن أسامة لما رأى ما عليه الناس طلب إلى عمر بن الخطاب أن يرجع إلى أبي بكر فيستأذنه في أن يعود بالجيش ليكون عونه على المشركين فلا يتخطفون المسلمين، وقالت الأنصار لعمر: «فإن أبى إلا أن نمضي، فأبلغه عنا واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلا أقدم سنا من أسامة.» وأبلغ ابن الخطاب أبا بكر رسالة أسامة، فلم يلبث حين سمعها أن ثار ثائره وقال: «لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله
صلى الله عليه وسلم .» أما رسالة الأنصار أن يولي عليهم رجلا أقدم سنا من أسامة فقد وثب لها أبو بكر وكان جالسا فأخذ بلحية عمر وقال مغضبا: «ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب! استعمله رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وتأمرني أن أنزعه!» ورجع عمر إلى الناس فسألوه عما صنع فقال: «امضوا، ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت في سبيلكم من خليفة رسول الله.»
هذا الحديث في رواياته المختلفة يصور لنا سياسة أبي بكر أول ما تولى الخلافة، وهذه السياسة تتلخص في قوله لفاطمة ابنة رسول الله حين طالبته بميراثها عن أبيها: «إني والله ما أدع أمرا رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته.» وهو قد أعلنها إلى الناس ساعة قال لهم: «ليتم بعث أسامة، ألا لا يبقين بالمدينة أحد من جند أسامة إلا خرج إلى عسكره بالجرف.» فقد وقف بينهم خطيبا بعد أن رد المعترضين منهم وقال: «يا أيها الناس، إنما أنا مثلكم، وإني لا أدري لعلكم ستكلفوني ما كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يطيق، إن الله اصطفى محمدا على العالمين وعصمه من الآفات، وإنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن استقمت فتابعوني، وإن زغت فقوموني، وإن رسول الله قبض وليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة ضربة سوط فما دونها، ألا وإن لي شيطانا يعتريني، فإذا أتاني فاجتنبوني ...» ثم حثهم على العمل الصالح قبل أن يجيء أجلهم، وأن يعتبروا بالآباء، والأبناء والإخوان، وألا يغبطوا الأحياء إلا بما يغبطون به الأموات.
إنما أنا متبع ولست بمبتدع، ولن أدع أمرا رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته؛ هذه سياسة الخليفة الأول، ولأبي بكر أكثر من كل إنسان أن يتخذها سياسته، فهو قد صحب رسول الله على ما رأيت منذ بعثه إلى أن اختاره الله إليه، ثم إنه كان يؤمن بالله ورسوله إيمانا لا يكبو ولا يتزعزع، وكان لاتصاله القلبي والروحي برسول الله يعرف من أمره ما لا يعرفه غيره، وهو وحده الذي قال فيه رسول الله قبل يومين اثنين من وفاته: «إني لا أعلم أحدا كان أفضل في الصحبة عندي يدا منه، وإني لو كنت متخذا من العباد خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صحبة وإخاء وإيمان حتى يجمع الله بيننا عنده.» وأنت قد رأيت من صحبته وإخائه وإيمانه في حياة النبي ما لم يبلغه عمر ولا علي ولا أحد غيرهما من أمس المسلمين به
صلى الله عليه وسلم
صفحه نامشخص