في بيت عائشة.
ووضع الجثمان في المسجد بين القبر والمنبر، وتولى عمر صلاة الجنازة فكبر أربعا، ثم نقل الجثمان ودخل معه عمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن أبي بكر، وأراد عبد الله بن أبي بكر أن يدخل فقال له عمر: «كفيت.» ودفن أبو بكر في حفرة حفرت له إلى جنب النبي، وجعل رأسه إلى كتف رسول الله، وألصق اللحد باللحد، فلما أهالوا عليه التراب خرجوا وقد ودعوا خليل رسول الله وصفيه بعد أن جمع بينهما الموت، فودعوا أقرب الناس إلى قلب رسول الله وأحبهم إليه وآثرهم عنده، وأشدهم إيمانا بالله ورسوله.
وقد ارتجت المدينة لوفاة أبي بكر، وتولى الناس دهش كدهشهم يوم قبض رسول الله، وأقبل علي بن أبي طالب مسرعا باكيا حتى وقف بالباب فقال: «رحمك الله يا أبا بكر! كنت والله أول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأعظمهم غنى، وأحفظهم على رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وأحدبهم على الإسلام، وأحماهم عن أهله، وأنسبهم برسول الله خلقا وفضلا وهديا وسمتا، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيرا، صدقت رسول الله حين كذبه الناس، وواسيته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا، وسماك الله في كتابه صديقا فقال:
والذي جاء بالصدق وصدق به ، يريد محمدا ويريدك. كنت والله للإسلام حصنا، وللكافرين ناكبا، لم تضلل حجتك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك، كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف. كنت كما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ضعيفا في بدنك، قويا في دينك، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، جليلا في الأرض، كبيرا عند المؤمنين، لم يكن لأحد عندك مطمع ولا هوى؛ فالضعيف عندك قوي، والقوي عندك ضعيف، حتى تأخذ الحق من القوي، وتأخذه للضعيف، فلا حرمنا الله أجرك، ولا أضلنا بعدك!»
وأبنته عائشة أم المؤمنين فقالت: «نضر الله يا أبت وجهك، وشكر لك صالح سعيك؛ فقد كنت للدنيا مذلا بإدبارك عنها، وللأخرة معزا بإقبالك عليها، ولئن كان أعظم المصائب بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
رزءك، وأكبر الأحداث بعده فقدك. إن كتاب الله (عز وجل) ليعدنا بالصبر عنك حسن العوض، وأنا متنجزة من الله موعده فيك بالصبر عنك، ومستعينة كثرة الاستغفار لك، فسلم الله عليك، توديع غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك.»
صفحه نامشخص