127

صدیق ابوبکر

الصديق أبو بكر

ژانرها

لما بويع أبو بكر خاطبه رجل من المسلمين بقوله: «يا خليفة الله»، فلم يدعه أبو بكر يمضي في حديثه، بل قال له: «لست بخليفة الله ولكني خليفة رسول الله.»

هذه عبارة أوردها المؤرخون حجة على تواضع أبي بكر وصدق تقديره، وهي في رأيي تستوقف النظر لمعنى أعمق في دلالته من هذا المعنى المتصل بشخص أبي بكر وخلقه؛ ذلك ما فيها من قوة الإبانة عن تصور المسلمين الأولين لفكرة الحكم، فقد خلت قرون قبل عهد رسول الله، وتعاقبت قرون بعده، قام أثناءها في كثير من الأمم ملوك وحكام زعم دعاتهم وزعموا لأنفسهم أنهم خلفاء الله على الأرض، وأن لهم بذلك قدسية ليست لغيرهم من الناس، كذلك كان الأمر في مصر أيام الفراعنة الأولين، ومن هؤلاء الفراعنة من كان يقول لقومه: «أنا ربكم الأعلى.» وكان سواد المصريين في ذلك العهد يؤمنون بما لملوكهم من صفات الربوبية، ثم تزيدهم دعايات الكهنة إيمانا بهذه الصفات، وكذلك كان الأمر في آشور وإيران والهند وغيرها من الأمم التي عاصرت الفراعنة، وكان أكثر الملوك تواضعا في ذلك العهد أولئك الذين يرون أنفسهم خلفاء الله على الأرض.

ولقد قام في عصور أوربا الوسطى دعاة من العلماء زعموا للملوك حقا مقدسا مستمدا من الله يجعل لهم على الناس سلطانا لا يعرف حدا، وعدوهم لذلك خلفاءه جل شأنه، فكانت كلمتهم منزلة كالوحي، وكان حكمهم كحكم الله لا مرد له، وظلت هذه الآراء مقبولة في أوربا إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وإلى القرن السابع عشر في بعض الأمم، ولم تستطع الشعوب أن تتغلب عليها، مع انتشار العلم وتقدم الحضارة، إلا بالثورات العنيفة، ذهبت فيها الألوف وعشرات الألوف من الأرواح ضحايا للمبادئ التي ثارت لها، مبادئ الحرية والإخاء والمساواة بين الناس.

هذه المبادئ التي سادت العالم دهرا طويلا، والتي كانت تسود أوربا إلى عهد قريب منا، هي التي أنكرها أبو بكر بقوله: «لست خليفة الله ولكني خليفة رسول الله.»

ولم يرد أبو بكر بأنه خليفة رسول الله إلا أنه خلفه

صلى الله عليه وسلم

قيادة المسلمين وسياسة أمورهم في حدود ما أمر الله به وما نهى عنه، أما ما اختص الله به رسوله فيما وراء ذلك فلم يدر بخاطر الصديق أنه خليفته فيه، وكيف يدور ذلك بخاطره ورسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين، لا يخلفه في نبوته أحد، ولا في رسالته أحد!! اصطفاه الله وأنزل عليه الكتاب بالحق فأكمل للمؤمنين دينهم وأتم عليهم نعمته، وهذا ما خطب به أبو بكر إثر بيعته إذ قال: «إني وليت هذا الأمر وأنا له كاره، ووالله لوددت أن بعضهم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله

صلى الله عليه وسلم

لم أقم به، كان رسول الله

صلى الله عليه وسلم

صفحه نامشخص