قال الجاحظ: أردت الخروج إلى محمد بن عبد الملك الزيات، ففكرت في شيء أهديه له، فلم أجد شيئا أشرف من كتاب سيبويه، وقلت له: أردت أن أهدي لك شيئا، ففكرت فإذا كل شيء عندك، فلم أر أشرف من هذا الكتاب، وهذا كتاب اشتريته من ميراث الفراء. قال: والله ما أهديت إلي شيئا أحب إلي منه.
وذكر صاعد بن أحمد الجياني من أهل الأندلس في كتابه قال: لا أعرف كتابا ألف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب؛ أحدها المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني كتاب أرسطاطاليس في علم المنطق، والثالث كتاب سيبويه البصري النحوي، فإن كل واحد من هذه لم يشذ عنه من أصول فنه شيء إلا ما لا خطر له.
وقال السيرافي: كان كتاب سيبويه لشهرته وفضله علما عند النحويين، فكان يقال بالبصرة: قرأ فلان الكتاب، فيعلم أنه كتاب سيبويه، وقرأ نصف الكتاب، ولا يشك أنه كتاب سيبويه. وكان محمد بن المبرد إذا أراد مريد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه يقول له: هل ركبت البحر؟ تعظيما له واستصعابا لما فيه.
وكان المازني يقول: من أراد أن يعمل كتابا كبيرا في النحو بعد كتاب سيبويه، فليستح.
وقال الزمخشري في هذا الكتاب:
ألا صلى الإله صلاة صدق
على عمرو بن عثمان بن قنبر
فإن كتابه لم يغن عنه
بنو قلم ولا أبناء منبر
تلك كانت نظرة الأقدمين إلى كتاب سيبويه نظرة التقدير والتعظيم، ولم يقتصر إجلال الكتاب على المعجبين بسيبويه، بل كان خصومه في تقديره والارتفاع به كالمحبين، حدث الأخفش - كما سبق أن روينا - أنه قرأ كتاب سيبويه على الكسائي في جمعة، فوهب له سبعين دينارا، قال: وكان الكسائي يقول له: «هذا الحرف لم أسمعه، فاكتبه لي، فأفعل.»
صفحه نامشخص