شهداء التعصب
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
ژانرها
فاحتدم الدوق سخطا، وأقبل الملك أيضا، فقال الدوق لكاترين: لعلك أدرى مني بمصدر هذه النيران أيتها السيدة.
وكانت رائحة القطران قد امتزجت برائحة نسيج محروق، ولم يبق من المشنقة إلا حطام يتصاعد الدخان منه، وكان جاليو ينظر إليه من بعيد، وهو يكاد يرقص فرحا. على أنه لم يكن راضيا تمام الرضى باحتراق نصف المشنقة، فجعل يقول في نفسه: هل كان الصيدلي كاذبا؟ إلا أنه لم يتم جملته هذه حتى ارتفع ضياء أخضر، وانتشرت رائحة تزهق الأنفاس وتضيق الصدور، ثم طلع ضياء أحمر بعد الأخضر، ثم تعددت ألوان اللهب فجعل الحارس يصلي، ويقول: لقد كنت على يقين من أن الشيطان هو صاحب هذه الفعلة الشنعاء! وقد مر بي، وأبصرت قدمه وكأنها المسحاة!
أما الملك فجعل ينظر إلى ذلك المشهد، وقد أظلم وجهه، فدنا منه الدوق وقال: هذا من تدبير أولئك البروتستانتيين الملاعين؛ ولأنه تدبير شيطاني!
قال: لقد أصبت يا عماه، فلتقم هذه المشنقة غدا، وليعدم الدوق في اليوم التالي على مرأى من جميع الشعب.
فقالت كاترين: ألست ترى يا بني أن لله يدا في ملاشاة هذه المشنقة؟
فأجابها: لو أن صاعقة من السماء هبطت عليها لقلت إن الله أرسلها، ولكن هي نار الجحيم التي أحرقتها. فالشيطان قد أتى ليساعد أصدقاءه وأعوانه.
ولقد تلفظ الملك بهذه الكلمات بلهجة هائلة، ثم قال: من حسن الحظ أن رجالي الأشراف يحوطون بي. فلسوف يجزى المجرمون في حادثة أمبواز بما كسبت أيديهم! نعم، ويل للبروتستانتيين! وليمت كل خائن!
ثم جرد سيفه وتقدم إلى أنقاض المشنقة متوعدا مهددا، ولم يتجرأ أحد على الوقوف لإمساكه، ونظر آل جيز بعضهم إلى بعض، فقال الدوق: إنه يهذي هذيان المحتضر!
وضرب الملك بسيفه الهواء، ثم وقف بغتة؛ لأن الدخان المنبعث عن الحريق كاد يخنقه. فأفلتت يده سيفه، ثم سقط على الأرض وهو يقول: ليمت كل خائن، وأغمي عليه.
فأراد الدوق دي جيز حمله على ساعديه ، إلا أن كاترين كانت قد سبقته إليه، وأكبت عليه، وهي تقول: ولدي ولدي!
صفحه نامشخص