وحين ذهب الحاج سعيد إلى كمال باشا كانت كريمة متزوجة من ممدوح بك زيدان، وكانت هي في الثالثة والثلاثين من عمرها، وكان زوجها في الأربعين، وكانا قد تزوجا منذ عشر سنوات، ولم ينجبا وقاما بالفحوص المفروضة في مثل هذه الحالات، فتبين لهما أنه ليس لدى أحد منهما أي مانع لحدوث الحمل، فانتظر كلاهما أمر الله في إيمان وأمل.
وكانت سعدية متزوجة من وحيد القناوي الذي يعمل سكرتيرا بوزارة الخارجية، وكانت سعدية في الخامسة والعشرين من عمرها ووحيد في الثانية والثلاثين، وقد أثمر زواجهما ولدين، هما فريد وصبحي. أما ميرفت فقد كانت تصغر سعدية بعامين، وكان زوجها حمدي عمران يعمل مراجعا حسابيا بالبنك الأهلي، وقد أنجبا بنتا هي إنجي، وولدين هما سراج وسمير.
وكانت صلة الحاج سعيد بكمال باشا وطيدة، بما كان لتفيدة هانم من أراض بناحية هندامة، حيث الحاج سعيد وأرضه.
فقد كان كمال باشا كثيرا ما يطلب منه الإشراف على بعض الأمور الزراعية، وكان الحاج سعيد يقوم بمطالب الباشا خير قيام.
فلم يكن غريبا أن يسعى الحاج سعيد إلى كمال باشا ليعين له ابنه في إحدى الوظائف الإدارية، التي يرى بهجت أنه لا يصلح لغيرها، وسأل كمال باشا: ومتى تخرج بهجت يا حاج سعيد؟ - العام الماضي يا معالي الباشا.
وصمت الباشا قليلا، ثم تحدث في أناة وتدبر: والله أنا أفكر له في شيء ... على كل حال أحضره إلي الأسبوع القادم، وربنا يهيئ الخير.
ومضى الأسبوع، وصحب الحاج سعيد ابنه إلى كمال باشا في القاهرة، وكان بهجت شابا في الرابعة والعشرين من عمره، فتي الجسم، ليس في ملامحه ما يمكن أن يجعله يوصف بالجمال، كما أنها بعيدة عن القبح، إنما وجهه من ذلك النوع الحيادي الذي لا يجعلك تلحظ من شأنه معالم خاصة ... إنه وجه مثل سائر الوجوه تراه وما تلبث أن تنساه، وكأنك ما رأيته، سأله كمال باشا: لماذا لا تريد أن تعمل بالمحاماة ما دمت لم تستطع أن تعين في النيابة؟ - أنا يا معالي الباشا - حتى أكون صريحا معك - أكره المذاكرة وكثرة القراءة والدراسة، والمحامي إن لم يكن صبورا قادرا على هذه الأمور ففشله مؤكد. - أنا مسرور من صراحتك أولا، كما أني مسرور من معرفتك ما تحسن وما لا تحسن. - أطال الله عمرك يا معالي الباشا. - أنت تعرف أن التعيين في الحكومة صعب؛ فالحرب لم تترك بلدا إلا وجعلت ميزانيتها واقتصادها مضطربين كل الاضطراب. - لو لم نكن نعرف أن الأمر صعب ما لجأنا إلى معاليك. - هل أنت مصمم أن تعمل بالحكومة؟ - يا معالي الباشا، أنا أملي أن أعمل فقط. - اسمع يا حاج سعيد، أحضر ابنك وتعاليا إلي بعد غد.
وإن شاء الله ستسمعان خيرا.
وجاء الرجل وابنه في الموعد الذي حدده الباشا فطالعهما. - أنا عينت بهجت في شركة الغزل الاقتصادي التي أعمل عضوا بمجلس إدارتها.
وصاح بهجت: أطال الله عمرك يا معالي الباشا.
صفحه نامشخص