وكذلك يعطي المجهول الذي يدعي الفقر من الصدقة، كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم رجلين سألاه، فرآها جلدين . فقال: ”إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب“(1). وهذا لأن إعطاء الغني خير من حرمان الفقير، والعفو عن المجرم خير من عقوبة البريء.
فإذا كان هذا في حق آحاد الناس، فالصحابة أولى أن يسلك بهم هذا. فخطأ المجتهد في الإحسان إليهم بالدعاء والثناء عليهم والذب عنهم خير من خطأه في الإساءة إليهم باللعن والذم والطعن. وما شجر بينهم غايته أن يكون ذنبا، والذنوب مغفورة بأسباب متعددة هم أحق بها ممن بعدهم، وما تجد أحدا يقدح فيهم إلا وهو يعظم من هو دونهم، ولا تجد أحدا يعظم شيئا من زلاتهم إلا وهو يغضي عما هو أكبر من ذلك من زلات غيرهم، وهذا من أعظم الجهل والظلم.
وهؤلاء الرافضة يقدحون فيهم بالصغائر، وهم يغضون عن الكفر والكبائر فيمن يعاونهم من الكفار والمنافقين، كاليهود والنصارى والمشركين والإسماعيلية والنصيرية وغيرهم، فمن ناقش المؤمنين على الذنوب، وهو لا يناقش الكفار والمنافقين على كفرهم ونفاقهم، بل ربما يمدحهم ويعظمهم، دل على أنه من أعظم الناس جهلا وظلما، إن لم ينته به جهله وظلمه إلى الكفر والنفاق.
صفحه ۶۸