وهب أن عمر وطائفة معه كانوا يشذون معه، فليس هؤلاء أكثر ولا أعز من الذين كانا مع معاوية رضي الله عنه، ومع طلحة والزبير رضي الله عنهما، ومع هذا فقد قاتلهم أعوان علي، مع كونهم دون السابقين الأولين في العلم والدين، وفيهم قليل من السابقين الأولين، فهلا قاتلهم من هو أفضل من هؤلاء؟ إذ كان إذ ذاك علي على حق، وعدوه على الباطل، مع أن وليه إذ ذاك أكثر وأعظم علما وإيمانا، وعدوه إذ ذاك - إن كان عدوا - أذل وأعجز وأضعف علما وإيمانا وأقل عدوانا، فإنه لو كان الحق كما تقوله الرافضة لكان أبو بكر وعمر والسابقون الأولون من شرار أهل الأرض وأعظمهم جهلا وظلما، حيث عمدوا عقب موت نبيهم صلى الله عليه وسلم فبدلوا وغيروا وظلموا الوصي، وفعلوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ما لم تفعله اليهود والنصارى عقب موت موسى والمسيح عليهما السلام، فإن اليهود والنصارى لم يفعلوا عقب موت أنبيائهم ما تقوله الرافضة أن هؤلاء فعلوه عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى قوله تكون هذه الأمة شر أمة أخرجت للناس، ويكون سابقوها شرارها.
وكل هذ مما يعلم بالاضطرار فساده من دين الإسلام، وهو مما يبين أن الذي ابتدع مذهب الرافضة كان زنديقا ملحدا عدوا لدين الإسلام وأهله، ولم يكن من أهل البدع المتأولين كالخوارج والقدرية، وإن كان قول الرافضة راج بعد ذلك على قوم فيهم إيمان لفرط جهلهم.
ومما يبين ذلك أن يقال: أي داع كان للقوم في أن ينصروا عائشة بنت أبي بكر ويقاتلوا معها عليا كما ذكروا، ولا ينصرون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقاتلون معها ومع زوجها الوصي أبا بكر وعمر؟ فإن كان القوم الذين فعلوا هذا يحبون الرياسة ويكرهون إمارة علي عليهم، كان حبهم للرياسة يدعوهم إلى قتال أبي بكر بطريق الأولى، فإن رياسة بيت علي أحب إليهم من رياسة بيت أبي بكر.
صفحه ۵۸