وكذلك في الصحيحين حديث عتبان بن مالك لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم منزله في نفر من أصحابه، فقام يصلي وأصحابه يتحدثون بينهم، ثم أسندوا عظم ذلك إلى مالك بن الدخشم(1)، وودوا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه فيهلك، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته وقال: ”أليس يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله“؟ قالوا: بلى وإنه يقول ذلك، وما في قلبه. فقال: ”لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه“(2) .
وإذا كان ذلك فإذا ثبت أن شخصا من الصحابة - إما عائشة، وإما عمار بن ياسر، وإما غيرهما - كفر آخر من الصحابة: عثمان أو غيره، أو أباح قتله على وجه التأويل - كان هذا من باب التأويل المذكور، ولم يقدح ذلك في إيمان واحد منهما، ولا في كونه من أهل الجنة، فإن عثمان وغيره أفضل من حاطب بن أبي بلتعة، وعمر أفضل من عمار وعائشة وغيرهما، وذنب حاطب أعظم، فإذا غفر لحاطب ذنبه، فالمغفرة لعثمان أولى. وإذا جاز أن يجتهد مثل عمر وأسيد بن حضير في التكفير أو استحلال القتل، ولا يكون ذلك مطابقا، فصدور مثل ذلك من عائشة وعمار أولى.
ويقال رابعا: إن هذا المنقول عن عائشة من القدح في عثمان: إن كان صحيحا فإما أن يكون صوابا أو خطأ، فإن كان صوابا لم يذكر في مساوئ عائشة، وإن كان خطأ لم يذكر في مساوئ عثمان، والجمع بين نقص عائشة وعثمان باطل قطعا. وأيضا فعائشة ظهر منها من التألم لقتل عثمان، والذم لقتلته، وطلب الانتقام منهم ما يقتضي الندم على ما ينافي ذلك، كما ظهر منها الندم على مسيرها إلى الجمل، فإن كان ندمها على ذلك يدل على فضيلة علي واعترافها له بالحق، فكذلك هذا يدل على فضيلة عثمان واعترافها له بالحق، وإلا فلا.
وأيضا فما ظهر من عائشة وجمهور الصحابة وجمهور المسلمين من الملام لعلي أعظم مما ظهر منهم من الملام لعثمان، فإن كان هذا حجة في لوم عثمان فهو حجة في لوم علي، وإن لم يكن حجة في لوم علي، فليس حجة في لوم عثمان، وإن كان المقصود بذلك القدح في عائشة لما لامت عثمان وعليا، فعائشة في ذلك مع جمهور الصحابة، لكن تختلف درجات الملام.
وإن كان المقصود القدح في الجميع: في عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعائشة، واللائم والملوم.
صفحه ۴۲