والمقصود هنا أن هذا الإجماع ظاهر معلوم، فكيف يدعى الإجماع على مثل قتل عثمان من ينكر مثل هذا الإجماع؟ بل من المعلوم أن الذين تخلفوا عن القتال مع علي من المسلمين أضعاف الذين أجمعوا على قتل عثمان، فإن الناس كانوا في زمن علي ثلاثة أصناف: صنف قاتلوا معه، وصنف قاتلوه، وصنف لا قاتلوه ولا قاتلوا معه. وأكثر السابقين الأولين كانوا من هذا الصنف، ولو لم يكن تخلف عنه إلا من قاتل مع معاوية رضي الله عنه، فإن معاوية ومن معه لم يبايعوه، وهم أضعاف الذين قتلوا عثمان أضعافا مضاعفة، والذين أنكروا قتل عثمان أضعاف الذين قاتلوا مع علي، فإن كان قول القائل: إن الناس أجمعوا على قتال علي باطلا، فقوله: إنهم أجمعوا على قتل عثمان أبطل وأبطل.
وإن جاز أن يقال: إنهم أجمعوا على قتل عثمان، لكون ذلك وقع في العالم ولم يدفع. فقول القائل: إنهم أجمعوا على قتال علي أيضا والتخلف عن بيعته أجوز وأجوز، فإن هذا وقع في العالم ولم يدفع أيضا.
وإن قيل: إن الذين كانوا مع علي لم يمكنهم إلزام الناس بالبيعة له، وجمعهم عليه، ولا دفعهم عن قتاله، فعجزوا عن ذلك.
قيل: والذين كانوا مع عثمان ما حصر لم يمكنهم أيضا دفع القتال عنه.
وإن قيل: بل أصحاب علي فرطوا وتخاذلوا، حتى عجزوا عن دفع القتال أو قهر الذين قاتلوه، أو جمع الناس عليه.
قيل: والذين كانوا مع عثمان فرطوا وتخاذلوا حتى تمكن منه أولئك. ثم دعوى المدعي الإجماع على قتل عثمان مع ظهور الإنكار من جماهير الأمة له وقيامهم في الانتصار له والانتقام ممن قتله، أظهر كذبا من دعوى المدعي إجماع الأمة على قتل الحسين رضي الله عنه.
صفحه ۳۲