المجلد الأول بسم الله الرحمن الرحيم
صفحه ۱
خطبة الشفاء
رب يسر وأعن يا كريم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
الحمدلله الذي ألهمنا رشده بألطافه الخفية، وهدانا سبل النجاة بعوارقه السنية، ودلنا على ذاته وقدرته بغرائب مصنوعاته، ونبهنا على عظيم علمه بمحكمات مخلوقاته وبدائع مصنوعاته، فأنقذنا لله بالدين الحنيف سرا وإعلانا، ودنا بشرائعه إيمانا وإذعانا، فهيهات أن نسلك بعد البصيرة سبيل الجاحدين، وأن نتسنم كاهل العناد مع المعاندين، الذين يظهرون الإسلام تسترا ونفاقا، ويضمرون لأهله عداوة وشقاقا، فيختدعون الغفلة بإظهار الأعمال المرضية، ويأكلون أموالهم بها رشا وهدية، فيحتملون من المآثم أوزارا وأثقالا، ويحتقبون من المظالم والجرائم وبالا، كأنهم لا يرجون لله وقارا، ولا يخشون جحيما ولا نكالا، بعدوا عن الخير عند باري البرية بما ابتدعوه من البدع الردية، ويلهم من الله يوم التناد، يوم يقوم الأشهاد، ولو ظهرت سطوة الحق عليهم لبادروا إلى الالتزام بالأحكام النبوية، وأظهروا توبة وخشوعا خوفا وتقية، ولسارعوا إلى إجابة الحق رغبا وفرقا، فنسأل الله تعالى أن يمزقهم مزقا، وأن يملآ قلوبهم حرجا وحرقا، كما تفرقوا عن الدين شيعا وفرقا.
صفحه ۱
والحمد لله الذي ابتدع الخلائق أنواعا وأجناسا، فجعل منهم ملائكة مقربين وجنا وناسا، فاختلف الثقلان في الدين قصودا وإعراضا، بين مقبل عليه ومعرض عن إعراضا، فهذا ناج لم يأل في طاعة ربه تشميرا واجتهادا، بل وظف عمره في أنواع القربات أورادا، وأخلص لربه قولا وعملا واعتقادا، وهذا ضال أفنى عمره عتوا وفسادا، واستوعبه عداوة للحق وعنادا، وترى من القوم مهموما يكابد فاقة وفقرا، قد شغل ذلك منه لبا وكسر ظهرا، وآخر غنيا أعطاه الله ثروة ووفرا، وأنعم عليه بنعم لا يحدث لها شكرا، فهو ينفق إسرافا وبدارا، ويبذر إعلانا وإسرارا، قد بدل نعم الله كفرا، ولم ينفق منها في طاعته فيحوز أجرا، كأن في أذنيه عن سماع الموعظة وقرا، قد جعل الله له البخل دثارا وسترا، وتنظر منهم سقيما لا يزداد إلا ضرا وسقما، عليلا ملبسا أوجالا وألما، وصحيحا معافى لا يزال مرتكبا للعظائم، عاكفا على المعاصي والمآثم، وتجد منهم فاجرا محبوبا في العيون، مفتونا به الجهال أي فتون، وآخر مزدريا عند الأباعد والأقربين، غير مقبول وإن جاء بالحق المبين، تفاضلوا هكذا أصنافا وألوانا، كما اختلفوا أجناسا وأحوالا وأفنانا، وأشهد أن لا إله إلا الله الباطن الظاهر القاهر، الأول الآخر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الكريم، الأمين الأواه الحليم، الذي قال فيه الله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}[القلم:4] {بالمؤمنين رءوف رحيم}[التوبة:128] صلى الله عليه وآله النجباء الأكرمين، المصطفين الأطهار المكرمين.
أما بعد:
فإني لما وقفت على الأخبار المأثورة، والآثار المنقولة المشهورة عن النبي (صلى الله عليه وآله الأكرمين) نحو قوله صلى الله عليه وآله: ((من حفظ عن أمتي أربعين حديثا من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتي)).
وقوله صلى الله عليه وآله: ((ليبلغ الشاهد الغائب عسى أن يبلغ إلى من هو أوعى منه)).
صفحه ۲
وقوله صلى الله عليه وآله: ((ما أهدى المسلم لأخيه المسلم هدية أفضل من كلمة حكمة يسمعها فانطوى عليها ثم علمه إياها يزيده الله بها هدى أو يرده عن ردى وإنها لتعدل إحياء نفس ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)).
وقوله صلى الله عليه وآله: ((ما تصدق رجل بصدقة أفضل من علم يبثه في الناس)).
وقوله صلى الله عليه وآله: ((رحم الله من سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه)). وفي خبر آخر: ((فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)).
فلذلك رغبت أن أجمع بين عيون ما حفظته ونفيس ما رويته زبدا مما صحت لي أسانيدها ومتونها، وتشعبت أفانينها وشجونها، وثبت عندي ضبط رواتها وعدالتهم، إذ هم علماء الآثار وثقاتهم، وجعلت ذلك مما يتعلق بأصول الأحكام المميزة بين الحلال والحرام، مستعينا بالله ذي الجلال والإكرام، معتصما بحوله وقوته في كافة الأحوال، فأقول وبالله التوفيق إلى واضح الطريق.
باب تعيين المواضع المنهي عن قضاء الحاجة فيها
(خبر) وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان إذا أراد البراز لا يراه أحد، رواه المغيرة .
(خبر) وروى المغيرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا ذهب إلى الغائط أو قال خرج من الغائط أبعد وتستر عن العيون يريد خرج إلى الغائط، دل الخبران على أنه يستحب لقاضي الحاجة أن يبعد المذهب، وأن يتوارى عن الناس وهو إجماع مع الإمكان، وعلى الجملة فقد ظهر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمر بالتستر عند قضاء الحاجة، وإبعاد المذهب، وأنه كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، والإجماع ظاهر في أن القعود مشروع في تلك الحال على ما نوضحه، والإجماع ظاهر في كون التستر مشروعا؛ إلا أنه يتناول التحريم مهما كان بارزا في موضع يطلع على عورته ومكروها فيما عدا ذلك، فأما في حال الضرورة فجائز إذا ستر عورته على ما نبينه إن شاء الله تعالى.
صفحه ۳
(خبر) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول، ولكن شرقوا أو غربوا)) دل ذلك على قبح استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة.
(خبر) وعن جابر بن عبدالله قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها، دل ذلك على وقوع النسخ؛ لأن الفاء تقتضي التعقيب، يدل على ذلك.
(خبر) وهو قول عبدالله بن عمر يتحدث للناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحديث وقد اطلعت يوما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ظهر بيت يقضي حاجته محجوزا عليه بلبن فرأيته مستقبل القبلة.
(خبر) وعن عبدالله بن عمر أنه قال: ارتقيت فوق بيت حفصة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يقضي حاجته مستدبرا القبلة مستقبل الشام، يزيده وضوحا.
(خبر) وهو ما ورت عائشة قالت: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وآله أن ناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((أوقد فعلوا حولوا مقعدتي نحو القبلة)) دل على جواز استقبالها في حال قضاء الحاجة، وحال الاستجمار، وحال الاستنجاء، وحال الجماع؛ لأنه لم يفصل، وفي خبر آخر عنها أنه صلى الله عليه وآله قال: ((استقبلوا بمقعدتي القبلة)) دل ذلك كله على أن هذا الحكم منوسخ.بس بس
(خبر) وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((ليس منا من بال في مطهرة)) سمعناه بكسر الميم.
(خبر) وروى عبدالله بن المغفل أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ((لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه)) وروى نحو ذلك في مغتسله، دلت هذه الأخبار على قبح البول في هذه المواضع؛ لأن الحكيم لا ينهى عن الحسن.
صفحه ۴
(خبر) وعن أبي موسى قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثا في أصل جدار فبال، ثم قال: ((إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله- دل ذلك على أن يستحب له أن يرتاد لبوله موضعا لينا دهسا لئلا يترشش عليه البول- فإن لم يجد أخذ حجرا فنصبه وسله عليه سلا)) والدهس هي -بالدال المعجمة بواحدة من أسفل مفتوحة والسين غير معجمة- الرمل الدقيق، وفي الحديث نزل دهاسا من الأرض، الدهاس: كل لين لا يبلغ أن يكون رملا وليس بتراب ولا طين.
(خبر) ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أن يطمح المرء ببوله في الهواء)).
(خبر) وعن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((ولا يستقبل الريح فإنها ترده عليه)) وهو يدل على ما ذكرناه، الدمث -بكسر الدال معجمة بواحدة من أسفل والثاء معجمة بثلاث- اللين، والدماثة سهولة الخلق.
(خبر) ونهى النبي صلى الله عليه وآله: ((أن يبال في الجحر)) دل على قبح ذلك؛ ولأنه لا يؤمن أن يرحج منه حيوان فليدغه.
(خبر) ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله: ((أن يتبرز الرجل بين القبور، أو تحت الشجرة المثمرة، أو على ضفاف نهر جار)) رواه علي عليه السلام، الضفة -بالفاء والضاد معجمة مكسورة- جانب النهر.
(خبر) ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله: ((عن التبرز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل بخرائه)) والموارد: الطرقات، قال الشاعر:
صفحه ۵
(أمير المؤمنين على صراط ... إذا اعوج الموارد مستقيم) وروي أن عمرو بن العاص (خبر) سأل الحسن بن علي عليه السلام ممتحنا فقال: إذا غريب في المدينة أين يضع خلاه؟ فقال: يتقي قارعة الطريق، وشطوط الأنهار، والمقبرة، ثم يضع خلاه أين يشاء، وقيل لسلمان الفارسي: لقد علمكم نبيكم حتى الخراءة، قال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجي باليمين، أو أن يستجمر أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو يستجمر برجيع أو عظم، قد تكلمنا في استقبال القبلة واستدبارها، وسنفصل الكلام في ما أفاده هذا الخبر فيما بعد إن شاء الله.
(خبر) عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ((اتقوا الملاعن)).
(خبر) وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)) دل ذلك على قبح قضاء الحاجة حيث يتضرر به المسلمون نصا فيما ذكرناه وقياسا على ذلك في ما عداها، لعلة تضرر المسلمين بقضاء الحاجة فيها.
باب آداب قضاء الحاجة وحكم الاستجمار وكيفيته
(خبر) وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((ستر ما بين عورات أمتي أن يقول إذا دخل الخلاء بسم الله)) دل على استحباب ذلك.
(خبر) وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض.
(خبر) وعن أنس عنه صلى الله عليه وآله مثله، دل ذلك على استحبابه.
(خبر) وعن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((إن هذه الحشوش محتظرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث)) الحش -بالحاء مفتوحة غير معجمة وشين معجمة- الخلاء.
(خبر) وعن علي عليه السلام أنه كان إذا دخل المخرج قال: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس، الخبيث المخبث، الشيطان الرجيم، دل ذلك على استحباب التعوذ.
قال الناطق بالحق عليه السلام: وينبغي أن يكون التعوذ في حال الإهواء قبل الاشتغال بقضاء الحاجة؛ لأن ذكر الله تعالى في تلك الحال مكروه.
صفحه ۶
(خبر) وروي أن المهاجر بن منقذ أتى النبي صلى الله عليه وآله وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه وقال: ((إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهور)) أو قال على طهارة.
(خبر) عن ابن عمر ومر عليه رجل فسلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه حتى تيمم ثم رد على الرجل السلام، دل على صحة ما ذكره الناطق بالحق.
(خبر) وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطيب بيمينه)) وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهي عن الروث، والرمة، ودل على قبح استقبال القبلة واستدبارها، وقد ذكرنا أن الحكم منسوخ، ودل ذلك على كراهة الانتفاع بيمنى يديه في ذلك، فأفادنا قبح ذلك أن الحكيم لا ينهي عن الحسن، يزيده وضوحا.
(خبر) وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((إذا بال أحدكم فلا يمسح ذكره بيمينه، وإذا تمسح أحدكم فلا يتمسح بيمينه)) ودل على أنه يستجمر بثلاثة أحجار، فدل ذلك على وجوب الاستجمار؛ لأنه أمر به والأمر يقتضي الوجوب.
(خبر) وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((وليستنج بثلاثة أحجار)) وهذا يؤيد ما ذكرناه، ويزيده وضوحا.
(خبر) وهو أن عائشة روت عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((إذا ذهب أحدكم فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطب بها فإنها تجزي عنه)).
(خبر) وعن عائشة قالت: كانت يد رسول الله صلى الله عليه وآله اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه، دل على أنه يكره الاستجمار باليد اليمنى.
(خبر) وروى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ((إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا خلا فلا يستنجي بيمينه)) دل على كراهة الاستجمار باليمين، وكذلك الاستنجاء وهي كراهة قبح لما بيناه.
صفحه ۷
(خبر) وروي أن المهاجرين لما قدموا المدينة أكلوا التمر وكانت أقواتهم الحنطة والشعير وذلك مما رقت منه بطونهم فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله أن يستنجوا بالحجارة، دل على أن العذرة إذا تعدت إلى باطن الأليتين أجزء فيها الاستطابة والاستنجاء بالحجارة.
(خبر) وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد، أو ثلاث حثيات من تراب)).
(خبر) وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((ثلاثة أحجار ينقين المؤمن)).
(خبر) وروى سهل بن سعد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((يكفي أحدكم إذا قضى حاجته ثلاثة أحجار حجران للصفحتين وحجر للمسربة)).
(خبر) وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((يقبل بحجر ويدبر بحجر ويحلق بالثالث)) فهذه الأخبار التي فيها ذكر الثلاثة الأحجار لا ظاهر لها لما علمنا أن ثلاثة أحجار ربما لا تنقي، بل يبقى بعدها القذر؛ لأن من كان قبلنا يبعر بعرا، ومن كان بعدهم يثلط ثلطا، فإن كانت الثلاث لا تكفي وجب تطييب المحل بما بلغ؛ لأن هذه الأخبار دلت على استحباب ما ذكرنا إذا كانت تكفي لإزالة العذرة، فإن كانت لا تكفي زاد حتى ينقي المحل، وهو إجماع العترة عليهم السلام وحكم النساء في ذلك كحكم الرجال.
(خبر) لقول النبي صلى الله عليه وآله: ((النساء شقائق الرجال)) فاقتضى ذلك اشتراك الذكور والإناث في كل حكم شرعي، إلا ما خصه الدليل، والمسربة -بالسين غير معجمة والراء والباء معجمة بواحدة من أسفل- مجرى الحدث، تقول سرب الماء أي سال، والصفحتان جانبا المجرى، وإن أزال النجاسة بحجر له ثلاث أحرف فأنقاه جاز.
قال الشيخ علي خليل وهو إجماع.
صفحه ۸
(خ) وروى ابن المنذر بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات، ويجعله بين اصبعيه السبابة والإبهام فيمرهما من أصله إلى سربه))، قوله: سربه -بالسين مفتوحة غير معجمة وبالراء والباء معجمة بواحدة من أسفل- مجرى البول، والخبر الذي ذكرناه في أول الباب الذي نحن فيه يدل على أنه لا يجوز الاستجمار بالروث والرمة.
(خبر) وروي أن النبي صلى الله عليه وآله التمس من عبدالله بن مسعود أحجارا للاستجمار فأتاه بحجرين وروثة، فألقى الروثة وقال: ((إنها ركس، والركس هو النجس))، دل على أنه لا يجوز الاستجمار بالروث، ونقيس عليه سائر النجاسات بعلة كونها نجسة فلا يجوز الاستجمار بشيء منها، والرمة -بكسر الراء- العظام البالية فدل على قبح الاستجمار بها.
(خبر) ونهى النبي صلى الله عليه وآله عن الاستجمار بالعظم، وقال: ((هو زاد إخوانكم من الجن)) دل ذلك على قبح الاستنجاء به.
(خبر) وعن عبدالله بن مسعود قال: قدم وفد الجن على رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا: يا محمد، انه أمتك عن أن يستنجوا بعظم أو روث أو حممة، فإن الله جعل لنا فيها رزقا، فنهى صلى الله عليه وآله عن ذلك، دل ذلك على قبح الاستجمار بهذه الأشياء.
صفحه ۹
(خبر) وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال لرويفع بن ثابت: ((لعل الحياة تطول بك فاخبر الناس أن من استنجى بعظم أو روث أو رجيع فهو بريء من محمد)) دل ذلك على قبح الاستنجاء بالعظم والرجيع، فالعظم عام في كل عظم؛ لأنه اسم جنس، والرجيع: العذرة والروث، ونفصل فنقول: إن كان من رجيع بني آدم أو رجيع ما لا يؤكل لحمه لم يجز الاستنجاء به، وإنما كان ذلك كذلك لكونه نجس الذات كالروث، بدليل أن الحكم يثبت بثبوت ذلك، وينتفي بانتفائه، وهذا إجماع علماء الإسلام كافة فيما أعلم -أعني الاستنجاء بالرجيع الذي هو نجس الذات- وقد يستعمل الرجيع مجازا فيما يستجمر به من الحجارة، فلا يجوز استعماله حملا لكلام الحكيم على ما أمكن من الفوائد؛ لأنه لا تنافي بين الحقيقة والمجاز في ذلك، ولا بين إرادتيهما فصح ما ذكرناه، وإن كان من رجيع ما يؤكل لحمه كره لهذا الظاهر فإن اضطر المكلف إلى استعمال هذا الرجيع الطاهر زالت الكراهة وجاز له استعماله.
(خبر) لظاهر قول النبي صلى الله عليه وآله: ((عند الضرورات تباح المحظورات)).
(خبر) وروى عبدالله بن عباس أنه مر مع رسول الله صلى الله عليه وآله على قبرين، فقال صلى الله عليه وآله: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أحدهما كان لا يستنزه من البول أو قال لا يستبرئ من البول، والآخر كان يمشي بالنميمة)) وفي بعض الأخبار أن أكثر عذاب القبر من البول، دل على وجوب الاستجمار من البول وأنه كالاستجمار من الخلاء.
(خبر) وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل الخلاء وضع خاتمه.
(خبر) وكان النبي صلى الله عليه وآله يتختم بيمينه، وكان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه، دل ذلك على استحبابه إذا كان فيه ذكر الله تعالى.
(خ) وروي أنه كان في خاتمه ثلاثة أسطر محمد رسول الله.
صفحه ۱۰
(خبر) وروى سراقة قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى، دل ذلك على أنه يستحب لقاضي الحاجة أن يعتمد عند قضائها على رجله اليسرى.
(خبر) وعن أبي سعيد الخدري أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ((لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتيهما يتحدثان فإن الله تعالى يمقت على ذلك)) دل ذلك على قبح التحدث عند قضاء الحاجة، والمقت البغض.
(خبر) وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((من أتى الغائط فليستتر)) دل ذلك على قبح كشف عورته في تلك الحال إلا ما لا يمكنه قضاء الحاجة إلا بكشفه.
(خبر) وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ((من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستتر به)) وهذا في الصحراء؛ لأن فيها خلقا من الملائكة والجن يصلون، فيستقبلهم بفرجه وليس في البنيان شيء من ذلك.
(خبر) وعن العباس بن عبدالمطلب أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ((نهيت أن أمشي وأنا عريان)).
(خبر) ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبول الرجل قائما، دل على قبح ذلك مع الاختيار؛ ولأنه لا يؤمن أن يفاجئه غيره فيرى عورته؛ ولأنه لا يأمن أن ترده عليه الريح فيتنجس به، فأما مع الضرورة فجائز.
(خبر) كما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بال قائما من دمل كان في مأبضه، والمأبض -بالهمزة، وفتح الميم، وكسر الباء معجمة بواحدة من أسفل وهي الضاد معجمة- باطن الركبة من كل شيء وعلى الضرورة يحمل.
(خبر) وهو ما روي أن عليا عليه السلام بال قائما، وروي نحوه عن عمر فدل ذلك على ما قلناه.
(خبر) وروى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا خرج من الخلاء قال: ((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)).
صفحه ۱۱
(خبر) وعن علي عليه السلام أنه كان يقول يعني إذا فرغ من قضاء حاجته: الحمد لله الذي عافاني في جسدي، الحمدلله الذي أماط عني الأذى، دل على أنه يستحب لمن فرغ من قضاء حاجته أن يقول كذلك.
(خبر) وروي عن لقمان الحكيم عليه السلام أنه قال: طول القعود على الحاجة تبخع منه الكبد، ويأخذ منه الباسور، فاقعد هوينى واخرج، دل ذلك على كراهة إطالة القعود عليها، وقوله: تبخع منه الكبد، يعني يهلكها، يقال: بخع نفسه، أي أهلكها، وقيل: قتلها، قال تعالى{فلعلك باخع نفسك}[الكهف:6] أي: قاتلها ومهكلها.
فصل
وإذ ذكرنا الاستنجاء والاستجمار فلنذكر معناهما:
أما الاستنجاء فهو مأخوذ من القطع، يقال نجوت الشجرة وأنجيتها واستنجيتها إذا قطعتها، كأنه قطع الأذى عن فرجيه بالحجارة أو الماء، أو بهما جميعا، ويقال: استنجى إذا مسح موضع النجوى وغسله، وفي الحديث: ((ليس منا من استنجى من الريح)) وأصل الاستنجاء الاستتار بنجوة من الأرض، واستنجى إذا أسرع، واستنجى الرجل الشجر الأخضر إذا قطعه من أصوله.
وأما الاستجمار فهو مأخوذ من الجمار وهي الحصا الصغار، وهو -بالجيم والراء- فلما أزال الأذى بالجمار التي هذه حالها سمى ذلك استجمارا.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله كان له قدح من عيدان يبول فيه بالليل يوضع تحت سريره، دل على استحباب ذلك لمن يعالجه البول من شيخ أو مريض أو نحوهما .
صفحه ۱۲
باب الاستنجاء بالماء
(خبر) وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((ليس منا من استنجى من الريح)) دل على أنه لا يجب الاستنجاء بالماء من خروج الريح وحدها، ولا مما يجري مجراها قياسا عليها كالقيء والنوم ونحوهما، والمعنى أن الفرجين ليسا من أعضاء الوضوء، وعندنا وهو أحد أقوال القاسم بن إبراهيم عليهما السلام رواه عنه في العلوم، وفيه أنه رواه عن علماء أهله، وذكر في (الكافي) أنه قول زيد بن علي، والباقر، والصادق، والناصر للحق، وأحمد بن عيسى، وبه قال الأخوان، والمنصور بالله عبدالله بن حمزة، وهو قول الأكثر من العلماء.
(خبر) وعن علي عليه السلام أنه قال: من بالغ في الاستنجاء لم ترمد عيناه، دل على استحباب المبالغة للسلامة من الرمد.
(خبر) وروي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يتفحج تفحج الظليم عند الاستنجاء، وبه قال في (المتخب) فإنه قال: وينبغي أن يتفحج قليلا عند الاستنجاء ويرفع رجله اليسرى، فج ما بين رجليه -بالفاء والجيم- إذا فتح ما بينهما، ويقال: تفاجت الناقة للحليب إذا فرجت ما بين رجليها، وتفاج الرجل إذا أراد البول، وفي الحديث كان إذا بال تفاج، وروي أن عائشة قالت لنسوة كن معها: مرن أزواجكن أن يغسلوا أثر الغائط والبول فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يفعله وأنا أستحييهم.
(خبر) وعن علي عليه السلام أنه قال: إن من كان قبلكم يبعرون بعرا وأنتم تثلطون ثلطا فاتبعوا الحجارة الماء.
صفحه ۱۳
(خبر) ولما نزل قوله تعالى:{فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}[التوبة:108] يعني أهل قباء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم في الطهور فما طهوركم؟ قالوا: نتوضأ للصلاة، ونغتسل من الجنابة، ونتبع الحجارة الماء. قال: هو ذلكموه فعليكموه)) دل ذلك على وجوب الاستنجاء بالماء من خروج البول والغائط أو أحدهما، وهو إجماع أهل البيت عليهم السلام فإنهم أجمعوا على ذلك؛ لإزالة النجاسة، لا لأن الفرجين من أعضاء الوضوء فقد بينا طرفا من الخلاف في ذلك.
(خبر) وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((عشر من سنن المرسلين وذكر فيها الاستنجاء)) وهو كما قال عليه السلام فإن المروي أنه كان في شرائع الأنبياء عليهم السلام وجوب غسل الفرجين من الغائط والبول، ولم يصح لنا نسخه في شرع نبينا محمد صلى الله عليه وآله فوجب امتثاله، وقد دل على ذلك قول الله تعالى: {أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا}[النحل:123] وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، ويدل على ما ذكرناه أولا من الأخبار.
(خبر) وروت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله بال فقام عمر خلفه بكوز من ماء فقال: ((ما هذا يا عمر؟ قال: ماء توضأ به، فقال: ما أمرت كل ما بلت أن أتوضأ ولو فعلت لكان سنة)) فدل ذلك الخبر على أن الاستنجاء بالماء من البول لغير الصلاة ليس بفرض ولا مسنون.
صفحه ۱۴
كتاب الطهارة
فصل
المطهرة -بكسر الميم- التي يتطهر بها، وهي في لغة أخرى بفتح الميم، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله: ((السواك مطهرة للفم)) الطهور -بفتح الطاء وضم الهاء- الماء الطاهر في نفسه المطهر لغيره، قال الله تعالى:{وأنزلنا من السماء ماء طهورا}[الفرقان:48] ويسمى بالطاهر في نفسه، قال الله تعالى{وسقاهم ربهم شرابا طهورا}[الإنسان:21] وقال الشاعر:
عذاب الثنايا ريقهن طهور
والطهارة نقيض النجاسة وامرأة طاهر بغيرها، إذا انقطع عنها الحيض، قال تعالى{ولا تقربوهن حتى يطهرن}[البقرة:222] أي: ينقطع عنهن دم الحيض، ويقال: طهره من النجاسة، قال تعالى{ليطهركم به}[الأنفال:72] وطهره: أي نزهه عن الإثم والدنس، قال تعالى:{ويطهركم تطهيرا}[الأحزاب:33] والتطهير: التنزه عن الإثم، وكل قبيح، ومنه التطهر بالماء عن النجاسة، قال تعالى:{ويحب المتطهرين}[البقرة:222]، وقال تعالى:{ وإن كنتم جنبا فاطهروا}[المائدة:6] أي: فتطهروا، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله: ((إذا تطهر أحدكم فليذكر اسم الله)).
باب الوضوء
الوضوء في أصل اللغة -بفتح الواو وضم الضاد- الذي يتوضأ به، والوضوء -بضم الواو والضاد- فعل المتوضئ، وقد يسمى غسل بعض الأعضاء وضوا ، نحو الوضوء مما مست النار، وهو غسل اليد والفم بعد الفراغ من الطعام، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي الهم)).
وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((الوضوء قبل الطعام بركة وبعده بركة)) رواه علي عليه السلام، وله فروض نذكرها شيئا شيئا عند الكلام في الأخبار.
صفحه ۱۵
(خ) وعن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((لا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة)).
وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((الأعمال بالنيات))، وروي أيضا: ((إنما الأعمال بالنيات)) دل ذلك كله على أن الأعمال لا تكون شرعية إلا بالنية إلا ما خصه الدليل، فاقتضى ذلك على أن النية في الوضوء واجبة، إذ لا يكون وضوءا شرعيا مع فقدها، وليس هذا من باب المجمل؛ لأن كلامه صلى الله عليه وآله منتصبا لتعليم الشرائع قرينة مقتضية لوجوب حمل كلامه وأفعاله على المعنى الشرعي إلا ما خصه الدليل؛ ولأن الظاهر من إجماع العترة عليهم السلام هو القول بوجوبها في الوضوء والتيمم والغسل فيثبت بذلك وجوبها.
(خبر) وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((تمضمضوا واستنشقوا)).
(خبر) وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((من توضأ فليتمضمض وليستنشق)) دل على وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء؛ لأن لفظ ذلك لفظ الأمر وصيغته، والأمر يقتضي الوجوب، يزيد ذلك وضوحا.
(خبر) وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((المضمضة والاستنشاق من الوضوء لا يقبل الله الصلاة إلا بهما)) فدل ذلك على ما قلناه، فأما ما روي من قوله صلى الله عليه وآله المضمضة والاستنشاق هما سنة في الوضوء فمعناه أنهما سنة واجبة بدلالة ما تقدم؛ ولأن جميع الواجبات المستفادة من السنة النبوية يجوز إطلاق القول عليها بأنها سنة أي أنها مأخوذة من السنة النبوية.
صفحه ۱۶
فصل
قال الله تعالى:{ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}[المائدة:6] لا خلاف فيها بين علماء الإسلام على الجملة، وإن اختلفوا في التفصيل في مواضع منها في الأفواه والمناخر، فجعلها زيد بن علي سنة غير واحبة، وقال بأن المضمضة والاستنشاق في الوضوء سنة غير واجبة وهو قول أخيه الباقر، والصادق، والناصر عليهم السلام، ومذهبنا ما تقدم من قول القاسم والهادي وأسباطهما، وبه قال السادة الهارونيون عليهم السلام جميعا، ووجه هذا القول قد قدمناه، ومنها في تخليل اللحية ونحن نقول بوجوبه بدلالة.
(خبر) وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((أتاني جبريل فقال إذا توضأت فخلل لحيتك)) وكان صلى الله عليه وآله إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته، وقال: ((هكذا أمرني ربي)).
(خبر) وروى جعفر الصادق، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام أنه مر برجل يتوضأ فوقف عليه حتى نظر إليه ولم يخلل لحيته فقال: ما بال أقوام يغسلون وجوههم قبل أن تنبت اللحى، فإذا نبتت اللحى ضيعوا الوضوء، والأمر يقتضي الوجوب، وحكمنا وحكمه في الشريعة واحد إلا ما خصه الدليل؛ ولأنا قد أمرنا بإتباعه قال الله تعالى:{واتبعوه لعلكم تهتدون}[الأعراف:158] وهذا يوجب التأسي به في القول والفعل إلا ما خصه الدليل.
صفحه ۱۷
(خبر) وروي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يخلل لحيته في الوضوء ويدلك عارضيه بعض الدلك، دل ذلك على وجوب تخليل اللحية في الوضوء وعلى وجوب دلك العارضين، ومنها في حد الوجه وعند أئمتنا عليهم السلام أن حده من مقاص الشعر إلى الأذنين إلى اللحيين إلى الذقن، نص على ذلك الهادي إلى الحق عليه السلام في باب التيمم من الأحكام، وذلك لأن الوجه عند أهل اللغة اسم لما يواجه، وجميع ما ذكرناه مواجه، والصدغان يجب أن يكونا من الوجه؛ لأنهما مواجهان، والصدغ -بالصاد مضمومة غير معجمة والدال معجمة بواحدة من أسفل وبالغين معجمة- ما بين العين إلى أسفل الأذن.
(خبر) وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه توضأ وأخذ الماء وضرب جبينه وأرسله، ثم وضع إبهاميه في أصول أذنيه وأرسل الماء، فثبت أن غسل هذه المواضع واجب وقد دخل في وجوب غسل البياض الذي بين الأذنين واللحية؛ لأنه من الوجه ولأن ما وجب غسله في الوجه قبل نبات الشعر وجب غسله بعد نباته كالوجنتين.
فصل
وذهب الناصر للحق عليه السلام إلى وجوب إدخال الماء في العين عند الوضوء، وبه قال المؤيد بالله تخريجا.
وقال السيد أبو طالب: لا يجب وهو الأولى؛ لأنه لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله قولا ولا فعلا؛ ولأنه يؤدي إلى الضرر، فإن المروي عن عبدالله بن عمر أنه كان يتشدد في الطهارة، ويتحفظ فيها، فكان يغسل عينيه حتى عمي، وقد قال الله تعالى{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}[البقرة:185] دل على ما قلناه، ومنها في حد المرفقين فعندنا أنه يجب غسلهما مع اليدين، وهو قول القاسم والهادي عليهما السلام، وهو الظاهر من قول أسباطهما، وبه قال الناصر للحق، وهو قول السادة الهارونيين.
(خبر) ووجه ذلك أنه قد ثبت بالنقل أن النبي صلى الله عليه وآله كان يغسل المرفقين عند غسل الذارعين.
صفحه ۱۸
(خبر) وروى جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا توضأ يدير الماء على مرفقيه.
(خبر) وروى أبو جعفر الباقر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يصب الماء في راحته ويديره إلى مرفقيه، رواه عنه في العلوم، وهو لنا سماع وهو يدل على ما قلناه؛ ولأن المرفق اسم لمجمع العظمين وهما عظم العضد وزند الذراع، وقد ثبت أنما كان من الذراع وجب غسله، فإذا وجب غسل جميعه كالكوع وفي المرفق لغتان: إحداهما بكسر الميم وفتح الفاء، والثانية بفتح الميم وكسر الفاء، ومنها في مسح جميع الرأس فعندنا أنه يجب مسح ما يسمى رأسا كما يجب غسل جميع ما يسمى وجها وهذا هو اختيار القاسم والهادي وأسباطهما عموما، وهو قول السادة الهارونيين، والخلاف في ذلك عن زيد بن علي وأخيه الباقر، والصادق، والناصر، وقد ذكرنا خلافهم في كتاب (التقرير لمعاني التحرير) فإن قيل: إن من قال لزيد امسح يدك بالمنديل أو بالحائط لم يفهم منه إلا أنه يمسح يده ببعض المنديل أو ببعض الحائط حتى أن السيد إذا أمر عبده بالمسح بالمنديل أو بالحائط فمسح يده ببعض منهما كان ممتثلا لما أمر به سيده حتى لو لامه على ترك مسح يده بجميع المنديل أو بجميع الحائط لبادر العقلاء إلى ذم السيد، ولقالوا قد فعل ما أمر به.
قلنا: إن هاهنا قرينة وهي العادة التي جرت بذلك، ونحن نقول في الوضوء لم تجر فيه هذه العادة وعلينا أن ننصب على صحة مذهبنا الدليل، ونهدي إلى واضح السبيل.
(خبر) وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه أخذ في وضوئه للصلاة ماءا فبدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بيديه إلى مؤخر الرأس ثم ردهما إلى مقدمه.
(خبر) وروي عن علي عليه السلام في حكايته لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله أنه مسح رأسه مقبلا ومدبرا، فأما ما روي أنه صلى الله عليه وآله مسح بناصيته فلا يصح التعلق به من وجوه:
أحدها: أنه ليس في الخبر أنه لم يمسح على غير الناصية، فروى ما رأى.
صفحه ۱۹