ونحو آخر أن بعض أجزاء طراغوذيا يعطى ظنا مخيلا لشىء ويميل الطبع إليه؛ وبعضها يعطى النفس ما يحذره ويحفظه على سكونه ويقبضه عن شىء. ويجب فى تركيب الطراغوذيا أن يكون غير تركيب بسيط، بل يجب أن يكون فيه اشتباك، وقد عرفته؛ ويكون ذلك مما يخيل خوفا مخلوطا بحزن بمحاكاته. فان هذه الجهة من المحاكاة هى التى تخص كل طراغوذيا، وبها تقدر النفس لقبول الفضائل. وليس يجب أن تكون النقلة فيها كلها من سعادة إلى سعادة: فالشجعان لا يقنعون بمزاولة السعادة والبراءة من الخوف والغم ومزاولة الأفعال التى لا صعوبة فيها، كما لا يقنع الكدود بدوام الشقاوة؛ ومثل هذا لا يخيل فى النفس انفعالا يعتد به من رقة أو حزن أو تقية. ولا يكون فيه محاكاة شقاوة الأشرار وإنما تحدث الرقة من أمثال ذلك، وكذلك الحزن والخوف؛ وإنما يحدث التفجع من محاكاة الشقاوة لمن لا يستحق، والخوف يحدث عند تخييل المضر. وإنما يراد محاكاة الشقاوة لهذه الأمور ولإظهار زلة من حاد عن الفضائل.
فينبغى فى الطراغوذيا أن يبدأ بمحاكاة السعادة، ثم ينتقل إلى الشقاوة وتحاكى لترتد عن طريقها وتميل النفس إلى ضدها. ولا تذكر الشقاوة التى تتعلق بجور من الجائر على الشقى، أو التى تتعلق ببغيه، بل التى تتعلق بغلطة وضلالة عن سبيل الواجب وذهابه عن الذى فضله أكثر، ويكون الاستدلال مطابقا اذلك.
وذكر أن الأولين القدماء كانوا يستهينون فى الخرافات حتى يتوصلوا إلى الغرض؛ وأما المحدثون بعدهم فقد مهروا حتى إنهم يبلغون الغرض فى طراغوذيا بقول معتدل. وذكر له أمثالا، وذكر قوما أحسنوا النقلة المذكورة.
صفحه ۱۸۷