وأجزاء الخرافة جزآن: «الاشتمال» وهو الانتقال من ضد إلى ضد، وهو قريب من الذى يسمى فى زماننا «مطابقة»، ولكنه كان يستعمل فى طراغوذياتهم فى أن ينتقلوا من حالة غير جميلة إلى حالة جميلة بالتدريج، بأن تقبح الحالة الغير الجميلة وتحسن بعدها الجميلة — وهذا مثل الخلف والتوبيخ والتقرير.
واجزء الثنى: «الدلالة»، وهو أن يقصد الحالة الجميلة بالتحسين، لا من جهة تقبيح مقابلها.
وكان القدماء من شعرائهم على هذه أقدر منهم على الوزن واللحن، وكان المتأخرون على إجادة الوزن واللحن أقدر منهم على حسن التخييل بنوعى الخرافة. فالأصل والمبدأ هو الخرافة، ثم بعدها استعمالها فى العادات، على أن يقع مقاربا من الأمر حتى تحسن به المحاكاة، فان المحاكاة هى المفرحة. والدليل على ذلك أنك لا تفرح بانسان ولا عاند صنم يفرح بالصنم المعتاد وإن بلغ الغاية فى تصذيعه وتزيينه ما تفرح بصورة منقوشة محاكية. ولأجل ذلك أنشئت الأمثال والقصص.
والثالث من الأجزاء هو «الرأى»: فان الرأى أبعد من العادات فى التخييل، لأن التخييل معد نحو قبض النفس وبسطها، وذلك نحو ما يشتاق أن يفعل فى أكثر الأمر؛ وكأن الكلام الرأىى الحمود عندهم هو ما اقتدر فيه علع هحاكاة الرأى، وهو القول المطابق للموجود على أحسن ما يكون.
صفحه ۱۷۹