فأول أجزاء طراغوذيا هو المقصود من المعانى المتخيلة والوجيهة ذات الرونق. ثم يبنى عليها اللحن والقول. فانهم إنما يحاكون باجتماع هذه. ومعنى القول: اللفظ الموزون. وأما معنى اللحن فالقوة التى تظهر بها كيفية ما للشعر كله من المعنى. ومعنى القوة هو أن التلحين والغناء الملائم لكل غرض هو مبدأ تحريك النفس إلى جهة المعنى، فيحسن له معه التفطن، وتكون فيه هيئة دالة على القدرة، لأن التلحين فعل ما، ويتشبه به بالأفعال التى لها معان. إذ قلنا إن الحدة من النغم تلائم بعضا من الأحوال المستدرج اليها، والثقيل يلائم أخرى. وكذلك أجزاء الألحان تلائم أحوالا أحوالا، ويكون من الألحان فى أمور متحدث بها عند أناس ينشدون ويغنون على الهيئة التى يضطر أن يكون عليها صاحب ذلك الخلق وذلك الاعتقاد الذى يصدر عنه ذلك الفعل. فلذلك يقال إنه أنشد كأنه واحد ممن له ذلك فى نفسه، أو واحد شأنه أن يصير بتلك الحال. ونحو هيئات المحدث نحوان: نحو يدل على خلق، كمن يتكلم كلام غضوب بالطبع أو كلام حليم؛ ونحو يدل على الاعتقاد كمن يتكلم كلام متحقق، أو من يتكلم كلام مرتاب. وليس لهيئات الأداء قسم غير هذين. ويكون الكلام الخرافى الذى يعبر عنه المنشد محاكاة على هذه الوجوه.
والخرافة هو تركيب الأمور والأخلاق بحسب المعتاد للشعراء والموجود فيهم. ويكون كل مذشد هو كواحد من المظهرين عن اعتقادهم الجد: فانه وإن هزل حقا فينبغى أن يظهر جدا، ويظهر مع ذلك هيئة دقة فهم، فانه ليس هيئة من يعبر عن معنى معقول عبارة كالخبر المسرود — هو هيئة من يعبر عنه ويظهر أنه شديد الفهم فى وقوفه عليه والتحقيق لما يؤديه منه.
صفحه ۱۷۷