وأما الذوق فإنه تال للمس ومنفعته أيضا فى الفعل الذى به يتقوم البدن وهو تشهية الغذاء واختياره، ويجانس اللمس فى شىء وهو أن المذوق يدرك فى أكثر الأمر بالملامسة ويفارقه فى أن نفس الملامسة لا يؤدى الطعم كما أن نفس ملامسة الحار مثلا يؤدى الحرارة بل كأنه محتاج إلى متوسط يقبل الطعم ويكون فى نفسه لا طعم له، وهو الرطوبة اللعابية المنبعثة من الآلة المسماة الملعبة، فإن كانت هذه الرطوبة عديمة الطعوم أدت الطعوم بصحة، وإن خالطها طعم كما يكون للممرورين من المرارة ولمن فى معدته خلط حامض من الحموضة شابت ما تؤديه بالطعم الذى فيها فتحيله مرا او حامضا، ومما فيه موضع نظر هل هذه الرطوبة إنما تتوسط بأن يخالطها أجزاء ذى الطعم مخالطة تنتشر فيها ثم تنفذ فتغوص فى اللسان حتى تخالط السان فيحسها، أو تكون نفس الرطوبة تستحيل إلى قبول الطعم من غير مخالطة، فإن هذا موضع نظر، فإن كان المحسوس هو المخالط فليست الرطوبة بواسطة مطلقة بل واسطة تسهل وصول الجوهر المحسوس الحامل للكيفية نفسها إلى الحاس، وأما الحس نفسه فإنما هو بملامسة الحاس للمحسوس بلا واسطة، وأن كانت الرطوبة تقبل الطعم وتتكيف به فيكون المحسوس بالحقيقة أيضا هو الرطوبة، ويكون أيضا بلا واسطة، ويكون الطعم إذا لاقى آلة الذوق أحسته، فيكون لو كان للمحسوس الوارد من خارج سبيل إلى المماسة الفائضة من غير هذه الواسطة لكان ذوق لا كالمبصر الذى لا يمكن أن يلاقى آلة الإبصار بلا واسطة، وإذا مست الآلة المبصر لم يدرك، لكنه بالحرى أن تكون هذه الرطوبة للتسهيل وأنها تتكيف وتختلط معا، ولو كان سبيل إلى الملامسة المستقصاة من غير هذه الرطوبة لكان يكون ذوق، فإن قيل ما بال العفوصة تذاق وهى تورث السدد وتمنع النفوذ فنقول إنها أولا تخالط بوساطة هذه الرطوبة ثم تؤثر أثرها من التكثيف وقد خالطت، والطعوم التى يدركها الذوق هى الحلاوة والمرارة والحموضة والقبض والعفوصة والحرافة والدسومة والبشاعة والتفه، والتفه يشبه أن يكون كأنه عدم الطعم وهو كما يذاق من الماء ومن بياض البيض، وأما هذه الأخرى فقد تكثرت بسبب أنها متوسطات، وأنها أيضا معما تحدث ذوقا يحدث بعضها لمسا فيتركب من الكيفية الطعمية ومن التأثير اللمسى شىء واحد لا يتميز فى الحس فيبصر ذلك الواحد كطعم واحد متميز، فإنه يشبه أن يكون طعم من الطعوم المتوسطة بين الأطراف يصحبه تفريق وإسخان ويسمى جملة ذلك حرافة، وآخر يصحبه طعم وتفريق من غير إسخان وهو الحموضة، وآخر يصحبه مع الطعم تجفيف وتكثيف وهو العفوصة، وعلى هذا القياس ما قد شرح فى الكتب الطبية،
صفحه ۷۶