فنقول أما أولا فإن القوة من حيث هى قوة بالذات وأولا هى قوة على أمر ما ويستحيل أن تكون مبدأ لشىء آخر غيره، فإنها من حيث هى قوة عليه مبدأ له، فإن كانت مبدأ لشىء آخر فليست هى من حيث هى مبدأ فى ذاتها لذلك الأول، فالقوى من حيث هى قوى إنما تكون مبادىء لأفعال معينة بالقصد الأول، لكنه قد يجوز أن تكون القوة الواحدة مبدأ لأفعال كثيرة بالقصد الثانى بأن تكون تك كالفروع، فلا تكون مبدأ لها أولا، مثل أن الإبصار إنما هو قوة أولا على إدراك الكيفية التى بها يكون الجسم بحيث إذا توسط بين جسم قابل للضوء وبين المضىء لم يفعل المضىء فيه الإضاءة، وهذا هو اللون، ثم اللون يكون بياضا وسوادا، وأيضا القوة المتخيلة هى التى تستثبت صور الأمور المادية من حيث هى مادية مجردة عن المادة نوعا من التجريد غير بالغ كما نذكره بعد، ثم يعرض أن يكون ذلك لونا أو طعما أو صوتا أو عظما أو غير ذلك، والقوة العاقلة هى التى تستثبت صور الأمور من حيث هى بريئة عن المادة وعلائقها، ثم يتفق أن يكون ذلك شكلا ويتفق أن يكون عددا، وقد يجوز أن تكون القوة معدة نحو فعل بعينه لكنها تحتاج إلى أمر آخر ينضم إليها حينئذ حتى يصير لها ما بالقوة حاصلا بالفعل، فإن لم يكن ذلك الأمر لم تفعل، فيكون مثل هذه القوة تارة مبدأ للفعل بالفعل وتارة غير مبدأ له بالفعل بل بالقوة مثل القوة المحركة فإنها إذا صح الإجماع من القوة الشوقية بسبب داع من التخيل أو المعقول إلى التحريك حركت لا محالة، وإن لم يصح لم تحرك، وليس يصدر عن قوة محركة واحدة بآلة واحدة إلا حركة واحدة إذ الحركات الكثيرة لكثرة آلات الحركة التى هى العضل فينا، وفى كل عضلة قوة محركة جزئية لا تحرك إلا حركة بعينها، وقد تكون القوة الواحدة أيضا يختلف تأثيرها بحسب القوابل المختلفة والآلات المختلفة، وهذا ظاهر،
صفحه ۳۷