وأقول بوجه مطلق أنه لا يجوز أن يجتمع فى شىء أحدى الذات هذان المعنيان، وذلك لأن كل شىء يبقى وله قوة أن يفسد فله أيضا قوة أن يبقى لأن بقاءه ليس بواجب ضرورى، وإذا لم يكن واجبا كان ممكنا، والإمكان الذى يتناول الطرفين هو طبيعة القوة، فإذن يكون له فى جوهره قوة أن يبقى وفعل أن يبقى، وقد بان أن فعل أن يبقى منه لا محالة ليس هو قوة أن يبقى منه، وهذا بين، فيكون فعل أن يبقى منه أمرا يعرض للشىء الذى له قوة أن يبقى، فتلك القوة لا تكون لذات ما بالفعل بل للشىء الذى يعرض لذاته أن تبقى بالفعل لا أنه حقيقة ذاته، فيلزم من هذا أن تكون ذاته مركبة من شىء إذا كان كان به ذاته موجودا بالفعل، وهو الصورة فى كل شىء، وعن شىء حصل له هذا الفعل وفى طباعه قوته، وهو مادته، فإن كانت النفس بسيطة مطلقة لم تنقسم إلى مادة وصورة، وإن كانت مركبة فلنترك المركب ولننظر فى الجوهر الذى هو مادته ولنصرف القول إلى نفس مادته ولنتكلم فيها، فنقول إن المادة إما أن تنقسم هكذا دائما ويثبت الكلام دائما، وهذا محال، وإما أن لا يبطل الشىء الذى هو الجوهر والسنخ، وكلامنا فى هذا الشىء الذى هو السنخ والأصل، وهو الذى نسميه النفس، وليس كلامنا فى شىء مجتمع منه ومن شىء آخر، فبين أن كل شىء هو بسيط غير مركب أو هو أصل مركب وسنخه فهو غير مجتمع فيه فعل أن يبقى وقوة أن يعدم بالقياس إلى ذاته، فإن كانت فيه قوة أن يعدم فمحال أن يكون فيه فعل أن يبقى، وإذا كان فيه فعل أن يبقى وأن يوجد فليس فيه قوة أن يعدم، فبين إذا أن جوهر النفس ليس فيه قوة أن يفسد، وأما الكائنات التى تفسد فإن الفاسد منها هو المركب المجتمع، وقوة أن يفسد أو يبقى ليس فى المعنى الذى به المركب واحد بل فى المادة التى هى بالقوة قابلة كلا الضدين، فليس إذن فى الفاسد المركب لا قوة أن يبقى ولا قوة أن يفسد، فلم تجتمعا فيه، وأما المادة فإما أن تكون باقية لا بقوة تستعد بها للبقاء كما يظن قوم، وإما أن تكون باقية بقوة بها تبقى، وليس لها قوة أن تفسد، بل قوة أن تفسد شىء آخر يحدث فيها، والبسائط التى فى المادة فإن قوة فسادها فى جوهر المادة لا فى جوهرها، والبرهان الذى يوجب أن كل كائن فاسد من جهة تناهى قوتى البقاء والبطلان إنما يوجب فيما هو كائن من مادة وصورة، وتكون فى مادته قوة أن تبقى فيها تلك الصورة وقوة أن تفسد هى منها معا كما قد علمت، فقد بان إذا أن النفس الإنسانية لا تفسد البتة، وإلى هذا سقنا كلامنا، والله الموفق،
صفحه ۲۳۳