فإن كان مقولا باشتراك وجب أن تكون الأقسام بحسب المعانى أكثر من الأقسام التى يوردونها؛ إذ أصول الأقسام حينئذ تكون ستة: كلى وجزئى وجوهر وعرض، الذي بأحد المعنيين، وجوهر وعرض، الذي هو بمعنى الجوهرى والعرضى؛ وكل واحد من العرضين قد استعمل فى الأمثلة التى لهم فى هذا الباب؛ أعنى قد استعمل هؤلاء المدخلون هذه الشروط الفاسدة. لست أعنى أن أول من علمنا هذا أدخل شيئا من ذلك. وأما إن كان وقوع العرض عليهما بالتواطؤ، فليدل على هذا المعنى؛ لكنهم اتفقوا أن الذى فى موضوع لا يشاركه موضوعه فى الحد والاسم جميعا، بل ربما يشاركه فى الاسم فقط، ولا يحمل عليه حده. ثم إذا قلنا لزيد إنه يمشى وإنه أبيض، وطلبنا حد " يمشى " وهو أنه شىء ينتقل من مكان إلى مكان بتقديم قدم واعتماد على أخرى، وطلبنا حد الأبيض وهو شىء ملون بلون مفرق للبصر، فنجد هذين الحدين كليهما مما يقال على زيد؛ فإن زيدا كما يقال له يمشى، كذلك يقال إنه ينتقل من مكان إلى مكان بتقديم قدم واعتماد على أخرى؛ وكما يقال إنه أبيض، كذلك يقال إنه جسم ملون بلون مفرق للبصر. فمن البين أن هذا الكلام مما يجب ان لا يلتفت إليه.
ويجب أن تتذكر ههنا ما قيل فى المشاركات والمباينات المتفق منهم على تسليمها إن الخمسة تحمل على تواطؤ وإن الخاصة أيضا تحمل بتواطؤ، فتعلم أنهم سريعا ما ينسون؛ اللهم إلا أن يقولوا إن المشاركة فى الحد هو أن يكون الحد ليس محمولا فقط، بل أن يكون حدا، فتكون الأجناس الطبيعية لا تشاركها الأنواع فى الحدود بل فى الأسماء فقط؛ فإن حدود الأجناس ليست حدودا للأنواع؛ وأيضا فإن الأشخاص لا حدود لها، فكيف تشارك الأجناس فى الحدود. فإن تكلفوا شططا آخر وقالوا: إن المشاركة فى الحد هى أن يكون ما هو حد لأحدهما إما حدا للآخر أو جزء حد للآخر، فيكذبهم تصديقهم أن الجنس يشارك الخاصة فى أن الجنس والخاصة تحملان على ما تحتهما بالتواطؤ وبالاسم وبالحد؛ وقد أقروا كلهم بهذا.
فليس إذن معنى المشاركة في الحد هو هذا، بل أن يكون ما هو مفهوم للاسم وحد أو رسم له يحمل على الشىء الذى يحمل عليه الاسم؛ فيوصف الشىء بمعنى الاسم كما يسمى بلفظه، وإن لم يكن ذلك حدا له.
فبهذه الأشياء يتبين أنهم أغفلوا إغفالا كثيرا.ويتبين أن السبب فى ذلك ظنهم أن العرض، الذى هو أحد الخمسة، هو العرض الذى نتكلم فيه فى هذا الكتاب. بل قد يتبين بذلك أن كل معنى عام يقال على أكثر من واحد، كيف قيل، فهو كلى؛ والمعنى الخاص جزئى؛ وأن العرض الذى يقابل الجوهر هو الذى سنحده؛ وأن الأمور : إما مقولة له على موضوع، غير موجودة فى موضوع، وهى كليات أشياء هى جواهر؛فلأنها كليات، فهى تقال " على " ؛ ولأنها جواهر، فلا توجد " فى " ؛ وإما موجودة فى موضوع غير مقولة على موضوع وهى جزئيات الأعراض، فإنها، لأنها أعراض، موجودة " فى " ، ولأنها جزئية، ليست " على " ؛ وإما مقولة على موضوع، موجودة فى موضوع وهى كليات الأعراض، فإنها، بالقياس إلى جزئياتها، كالبياض بالقياس إلى بياض ما مقولة على موضوع؛ ولأنها أعراض فهى موجودة فى موضوع؛ وإما لا مقولة " على " ولا موجودة " فى " ، وهى جزئيات الجواهر، كزيد وعمرو وهذه المادة وهذه الصورة وهذه النفس؛ ولأنها جواهر، ليست موجودة فى موضوع؛ ولأنها جزئية، ليست مقولة على موضوع.
الفصل الرابع فصل (د) في شرح حد العرض وهو أنه موجود في موضوع
صفحه ۵۳