موجودة، فلا يعرض فيها هذا الشك. لكن من الأمور المشكلة التى بالحرى أن تورد شكا يؤيد القول الذى يختاره ويورده أصحاب هذا المذهب المحدث هو أنه إن كان الممتزج لا تتغير جواهر بسائطه، وإنما تتغير كمالاتها، فتكون النار فيه موجودة ولكنها مفترة قليلا، والماء موجودا، ولكنه مسخن قليلا، ثم يستفيد بالمزاج صورا زائدة على صور البسائط، وتكون تلك الصور ليست من الصور، التى لا تسرى فى الكل، من الصور الاجتماعية، مثل صورة التأليف كالأشكال والأعداد. فإن المغناطيسية واللحمية مثلا ليست من الصور التى تكون من هيئات اجتماع آحاد عدد أو آحاد مقادير، حتى تكون للجملة، أولا لواحد من آحاد الجملة. وإذا كان كذلك كانت هذه الصور سارية فى كل جزء، وكان الجزء الموجود من الأسطقسات فى المركب، وهو نار مستحيلة ولم تفسد، قد اكتسب صورة اللحمية، فيكون من شأن النار فى نفسها، إذا عرض لها نوع من الأستحالة، أن تصير لحما. وكذلك كل واحد من البسائط، فيكون نوع من الكيف المحسوس، وحد من حدود التوسط فيه بين الرطب واليابس، والحار والبارد يعد الأجسام العنصرية لقبول اللحمية، ولا تمنعها عن ذلك صورها، كما لا يمنع صورة الأرض فى الجزء المتدخن أن تقبل حرارة مصعدة. فيكون حينئذ من شأن البسائط أن تقبل صورة هذه الأنواع وإن لم تتركب؛ بل إذا استحالت فقط. فلا يكون إلى التركيب والمزاج حاجه ألبتة البتة ، فنقول:
أما أولا فليس اعتراض هذه الشبهة على أحد المذهبين أولى من اعتراضها على الآخر. فإن صاحب هذا المذهب المخترع أيضا يرى أن اجتماع العناصر شرط فى حصول الصورة للتركيب بسبب ما يقع بينها من الفعل والانفعال، وأنها أول ا يعرض لها الفعل والانفعال فى كيفياتها، ثم يعرض لها أن تخلع صورة، وتلبس صورة، و لولا ذلك لما كان لتركيبها فائدة. وإذا تركبت فإنما يقع بينها تغير فى كيفياتها بالزيادة و النقصان، حتى تستقر على الأمر الذى هو المزاج. ثم تحدث صورة أخرى يعد لها المزاج؛ إذ لا يكون ما يظن أنه وارد بعد المزاج إلا المفرد. وكيف ما كان فذلك لاستحالتها فى كيفيتها، فيجب أيضا من ذلك أن تلك الاستحالة إذا عرضت للمفرد منها قبل المفرد وحده تلك الصورة، أو إن كان لا يقبلها؛لأن تلك الاستحالة يستحيل فيها إلا أن تتصغر أجزاؤها، إلا أن تتجاوز فاعلة و منفعلة على أوضاع مخصوصة، وأن تكون تلك الصورة مستحيلة أن تستحفظ إلا بتلك المجاورة، وأن الصورة لا تحل مادة لا تستحفظها، أو غير هذا من العلل والمعاذير - فهو جواب مشترك للطائفتين معا.
صفحه ۱۳۷