ويشبه أن يكون داعيهم إلى ذلك شدة حرصهم على العلوم الرياضية وإيضاح المذاهب فيها لهم، وانغلاق الطبيعة عليهم؛ إذ كان نظرهم فى الطبيعيات، والزمان ذلك الزمان والفلسفة فى الابتداء نظر المبتدى والشادى. والذى لم يتمرن فهو بعد فى الأمانى، فراموا أن يتأولوا المشكل من الواضح.
وهذه المخمسات الخمسة ستقف عليها فى إحدى الجمل الرياضية فى هذا الكتاب. ويشبه أن يكون فى تكثير العناصر وتوحيدها مذاهب كثيرة غير ما ذكرناها لم تحضرنا فى الحال.
وأما أصحاب الأجرام الغير المتجزئة فأن الفيلسوف الذى هذب مبادئ هذه الصنائع فقد أسهب يثنى عليهم، ويقرظهم، على تخطئته إياهم، ويقدمهم على سائر الطوائف، وخصوصا على أصحاب السطوح، قائلا إنهم أخذوا مبادئ محسومة مقرا بها ونسقوا عليها القول نوعا من النسق، ثم حافظوا على أصولهم، ولم يزيغوا عنها فى أكثر الأمر. وذلك لأنهم اعترفوا بوجود الحركة، ثم صاروا إلى إثبات الخلاء، لا كالذين أخذوا أخذا مسلما أن لا خلاء، وأوجبوا منه أن لا حركة .وذلك أن هؤلاء ساعدوا أولئك على ما وضعوه مسلما من أن الحركة والقسمة متعلقة بالخلاء. ثم كان وجود الحركة أظهر وأعرف من عدم الخلاء؛ لأن هذا لا شك فيه صحيح الرأى، وفى ذلك موضع شك كثير. فتشبث هؤلاء إنما هو بجنبته أوضح من جنبة تشبث أولئك .فقد فاقوا أولئك فى هذا الاختبار.
صفحه ۹۲