المقالة الخامسة وفيها تسعة فصول
الفصل الأول (أ) فصل في الأمور العامة وكيفية وجودها.
وبالحري أن نتكلم الآن في الكلي والجزئي، فأنه مناسب أيضا لما فرغنا منه، وهو من الأعراض الخاصة بالوجود، فنقول: إن الكلي قد يقال على وجوه ثلاثة: فيقال كلي للمعنى من جهة أنه مقول بالفعل على كثيرين، مثل الإنسان. ويقال كلي للمعنى إذا كان جائزا أن يحمل على كثيرين وإن لم يشترط أنهم موجودون بالفعل، مثل معنى البيت المسبع، فإنه كلي من حيث أن من طبيعته أن يقال على كثيرين، ولكن ليس يجب أن يكون أولئك الكثيرين لا محالة موجودين بل ولا الواحد منهم. ويقال كلي للمعنى الذي لا مانع من تصوره أن يقال على الكثيرين؛ إنما يمنع منه إن منع سبب ويدل عليه دليل، مثل الشمس والأرض، فإنها من حيث تعقل شمسا وأرضا لا يمنع الذهن عن أن يجوز أن معناه يوجد في كثير، إلا أن يأتيه دليل أو حجة يعرف به أن هذا ممتنع. ويكون ذلك ممتنعا بسبب من خارج لا لنفس تصوره. وقد يمكن ان يجمع هذا كله في أن هذا الكلي هو الذي لا يمنع نفس تصوره عن ان يقال على كثيرين. ويجب أن يكون الكلي المستعمل في المنطق وما أشبهه هو هذا. وأما الجزئي المفرد فهو الذي نفس تصوره يمنع أن يقال معناه على كثيرين كذات زيد هذا المشار إليه، فإنه يستحيل أن تتوهم إلا له وحده. فالكلي من حيث هو كلي شيء، ومن حيث هو شيء تلحقه الكلية شيء. فالكلي من حيث هو كلي هو ما يدل عليه أحد هذه الحدود، فإذا كان ذلك إنسانا أو فرسا فهناك معنى آخر غير معنى الكلية وهو الفرسية. فإن حد الفرسية ليس حد الكلية، ولا الكلية داخلة في حد الفرسية، فإن الفرسية لها حد لا يفتقر إلى حد الكلية لكن تعرض له الكلية. فإنه في نفسه ليس شيء من الأشياء البتة إلا الفرسية، فإنه في نفسه لا واحد ولا كثير ولا موجود في الأعيان ولا في النفس ولا في شيء من ذلك بالقوة ولا بالفعل على أن يكون داخلا في الفرسية، بل من حيث هو فرسية فقط. بل الواحدية صفة تقترن إلى الفرسية؛ فتكون
صفحه ۹۷