فصل في التام والناقص وما فوق التمام، وفي الكل، وفي الجميع التام.
أول ما عرف عرف في الأشياء ذوات العدد، إذ كان جميع ما ينبغي أن يكون حاصلا للشيء قد حصل بالعدد، فلم يبقى شيء من ذلك غير موجود. ثم نقل ذلك إلى الأشياء ذوات الكم المتصل، فقيل: تام في القامة إذا كانت تلك أيضا عند الجمهور معدودة لأنها إنما تعرف عند الجمهور من حيث تقدر، وإذا قدرت لم يكن بد من أن تعد. ثم نقلوا ذلك إلى الكيفيات والقوى، فقالوا: كذا تام القوة وتام البياض وتام الحسن وتام الخير، كأن جميع ما يجب أن يكون له الخير قد حصل له ولم يبق شيء من خارج. ثم إذا كان من جنس الشيء شيء، وكان لا يحتاج إليه في ضرورة أو منفعة أو نحو ذلك، رأوه زائدا ورأوا الشيء تاما دونه، ثم إن كان ذلك الذي يحتاج إليه الشيء في نفسه قد حصل وحصل معه شيء آخر من جنسه ليس يحتاج إليه في أصل ذات الشيء إلا أنه وإن كان ليس يحتاج إليه في ذلك الشيء فهو نافع في بابه، قيل لجملة ذلك: إنه فوق التمام ووراء الغاية. فهو هو التام والتمام. فكأنه اسم للنهاية، وهو أولا للعدد، ثم لغيره على الترتيب. وكان الجمهور لا يقولون لذي العدد إنه تام أيضا إذا كان أقل من ثلاثة، وكذلك كأنهم لا يقولون له كل وجميع. وكأن الثلاثة إنما صارت تامة لأن لها مبدأ وواسطة ونهاية، وإنما كان كون الشيء له مبدأ وواسطة ونهاية تجعله تاما لأن أصل التمام كان في العدد. ثم لم يكن هذا في طبيعة عدد من الأعداد من حيث هو عدد أن يكون تاما على الاطلاق، فإن كل عدد فمن جنس وحدانياته ما ليس موجودا فيه، بل إنما يكون تاما في العشرية والتسعية، وأما من حيث هو عدد فليس يجوز أن يكون تامت من حيث هو عدد، وأما من حيث له مبدأ ومنتهى وواسطة فهو تام، لأنه من حيث يكون له مبدأ ومنتهى يكون ناقصا من جهة ما ليس فيما بينهما شيء من شأنه أن يكون بينهما وهو الواسطة. وقس عليه سائر الأقسام أي أن يكون واسطة وليس منتهى، أو واسطة ومنتهى وقد فقد مايجب أن يكون له مبدأ. ثم من المحال أن يكون مبدآن في الأعداد ليس أحدهما واسطة بوجه إلا لعددين ولا منتهيان ليس أحدهما واسطة بوجه إلا لعددين. وأما الوسائط فقد يجوز أن تكثر إلا أنها تكون جملتها في أنها واسطة كشيء واحد؛ ثم لا يكون للتكثر حد يوقف عليه. فإذن حصول المبدئية والنهاية والتوسط هو أتم ما يمكن أن يقع في ترتيب مثله، ولا يكون ذلك إلا للعدد ولا يكون منحصرا إلا في الثلاثية.
صفحه ۹۴