ثم بعد ذلك لما وجدوا الشيء الذي له قوة بالمعنى المشهور - قدرة كانت أو شدة قوة - ليس من شرط تلك القوة أن يكون بها فاعلا بالفعل، بل له من حيث القوة إمكان "أن يفعل" وإمكان أن "لا يفعل" نقلوا اسم القوة إلى الإمكان. فسموا الشيء الذي وجوده في حد الإمكان موجودا بالقوة، وسموا إمكان قبول الشيء وانفعاله قوة انفعالية، ثم سموا تمام هذه القوة فعلا وإن لم يكن فعلا، بل انفعالا، مثل تحريك أو تشكل أو غير ذلك. فإنه لما كان هناك المبدأ الذي يسمى قوة، وكان الأصل الأول في المسمى بهذا الاسم إنما هو على ما هو بالحقيقة فعل، سموا هذا الذي قياسه إلى ما سموه الآن قوة، كقياس الفعل إلى المسمى قديما باسم الفعل، ويعنون بالفعل حصول الوجود. وإن كان ذلك الأمر انفعالا، أو شيئا ليس هو فعلا ولا انفعالا، فهذه هي القوة الانفعالية، وربما قالوا قوة لجودة هذه وشدتها. والمهندسون لما وجدوا بعض الخطوط من شأنه أن يكون ضلع مربع، وبعضها ليس ممكنا له أن يكون ضلع ذلك مربع، جعلوا ذلك المربع قوة ذلك الخط كأنه أمر ممكن فيه. وخصوصا إذا تخيل بعضهم أن حدوث هذا المربع هو بحركة ذلك الضلع على مثل نفسه. وإذ قد عرفت القوة، فقد عرفت القوي، وعرفت أن غير القوي إما الضعيف وإما العاجز وإما السهل الانفعال وإما الضروري، وإما أن لا يكون المقدار الخطي ضلعا لمقدار سطحي مفروض. وقد يشكل من هذه الجملة أمر القوة التي بمعنى القدرة، فإنها يظن أنها لا تكون موجودة إلا لما من شأنه أن يفعل، ومن شأنه أن لا يفعل. فإن كان لما من شأنه أن يفعل فقط فلا يرون أن له قدرة، وهذا ليس بصادق. فإنه إن كان هذا الشيء الذي يفعل فقط يفعل من غير أن يشأ ويريد، فذلك ليس له قدرة ولا قوة بهذا المعنى؛ وإن كان يفعل بإرادة واختيار إلا أنه دائم الإرادة ولا يتغير، وإرادته وجودا اتفاقيا أو يستحيل تغيرها استحالة ذاتية، فإنه يفعل بقدرة. وذلك لأن حد القدرة التي يؤثرون هؤلاء أن يحدوها به موجود ههنا، وذلك لأن هذا يصح عنه أن يفعل إذا شاء وأن لا يفعل إذا لم يشأ، وكلا هذين شرطيان، أي أنه إذا شاء فعل، وإذا لم يشأ لم يفعل.وإنما هما داخلان في تحديد القدرة على ما هما شرطيان، وليس من صدق الشرطي أن يكون هناك استثناء بوحه من الوجوه، أو صدق حملي، فإنه ليس إذا صدق قولنا: إذا لم يشاء أن يفعل، يلزم أن يصدق: لكنه لم يشأ وقتا ما؛ وإذا كذب: أنه لم يشأ البتة، يوجب ذلك كذب قولنا: وإذا لم يشأ لم يفعل. فإن هذا يقتضي أنه لو كان لا يشاء لما كان يفعل، كما أنه إذا يشاء فيفعل. وغذا صح أنه إذا شاء فعل، صح أنه إذا فعل فقد شاء أي إذا فعل فعل من حيث هو قادر. فيصح أنه إذا لم يشأ لم يفعل، وإذا لم يفعل لم يشأ، وليس في هذا أنه يلزم أن لا يشأ وقتا ما. وهذا بين
صفحه ۸۶