ذلك أن يكون كل جسم فسد بياضه فقد انتقل بياضه إلى جسم يماسه، أو بقي مجردا إلى أن يحصل في جسم بعيد، وهو غير مقارن جسما في مدة قطع المسافة، وليس الأمر كذلك. وأما الكمون فقد فرغنا منه وبينا استحالته، فإنه يجب من ذلك أن يكون كل جسم يسخن جسما فإنه ينقل إليه حرارة من نفسه، فيبرد هذا الذي يسخن. ثم هذا النوع من الانتقال لا تبطل عرضيته، إذ كثير من الناس جوز في الأعراض أنفسها هذا الانتقال، أعني: الانتقال في أجزاء الموضوع، والانتقال من موضوع إلى موضوع؛ وإنما كان لا يكون عرضا لو صح قوامه لا في موضوع. أما القائم في الموضوع إذا نظر فيه أنه هل يصح له أن ينتقل إلى موضوع آخر من غير أن يجرد عنهما، فهذا الاعتبار ليس يصح إلا بعد القوام في الموضوع. ثم هذا لا يصح البتة، لأنه يخلو إما أن يكون الذي وجد في موضوع ما تتعلق ذاته الشخصية بذلك الموضوع الشخصي، أو لا تتعلق؛ فإن كان تتعلق ذاته الشخصية بذلك الموضوع الشخصي فمعلوم أنه لا يجوز أن يبقى شخصه إلا في ذلك الموضوع الشخصي، وإن كان إنما أوجده في ذلك الموضوع سبب من الأسباب وليس ذلك السبب مقوما له من حيث هو ذلك الشخص، فقد يمكن أن يزال عنه ذلك السبب وسائر الأسباب حتى لا يحتاج قوامه إلى ذلك الموضوع. وزوال ذلك السبب ليس يكون سبب احتياجه إلى موضوع آخر، لأن السبب في أن لا يحتاج شيء إلى موضوع آخر، هو عدم السبب في أن كان يحتاج، وهو في ذاته ليس يحتاج. فزوال ذلك السبب ليس هو نفس وجود السبب الآخر إلا أن يكون مستحيلا زوال ذلك السبب إلا لوجود هذا السبب الآخر لا غير. فإذا عرضنا هذا السبب زال ذلك السبب، فيكون الشيء قد فارقته الحاجة إلى الموضوع الأول واحتاج إلى الموضوع الآخر لأمرين: أما الأول، فزوال السبب الأول؛ وأما الثاني، فوجود السبب الثاني. لكن جملة هذه الأسباب تكون أمورا خارجة عن طباعه ليس يحتاج إليها في تحقيق ذاته موجودا ذلك اللون مثلا، بل إنما يحتاج إليها في أن تتخصص بموضوع. فكونه لونا، وكونه هذا اللون بعينه إن كان يغنيه عن الموضوع، فليس يحوجه إلى أن يجعله محتاجا إلى الموضوع، فإن الغني بوجوده عن الموضوع لا يعرض له ما يحوجه إلى الموضوع إلا بانقلاب عينه. وإن كان لا يغنيه، بل يعلقه بموضوع فيكون ذلك الموضوع متعينا له، لأنه يقتضي أمرا متعينا بعينه. فإن المتعين لا يقتضي أي شيء اتفق مما لا نهاية له بالقوة مما ليس بعضه يخالف الآخر في حكمه. فإن قيل: فكيف يقتضي الواحد المعين؟ فيقال: يقتضي الذي تعلق به صحة وجوده أولا فيتعين له بذلك. فهذا اللون من حيث هو هذا اللون إما غني عن
صفحه ۶۸