فقد سهل لك أن تفهم أن العلة الغائية في الشيئية قبل العلل الفاعلة والقابلة، وكذلك قبل الصورة من جهة ما الصورة علة صورية مؤدية إليها، وكذلك أيضا العلة الغائية في وجودها في النفس قبل العلل الأخرى. أما في نفس الفاعل فلأنها توجد أولا ثميتصور عنده الفاعلية، وطلب القابل، وكيفية الصورة. وأما في نفس غير الفاعل فليس لبعضها ترتيب على الآخر ضروري، فإذن في اعتبارالشيئية واعتبار الوجود في العقل ليست علة أقدم من الغائية بل هي علة لصيرورة سائر العلل عللا، ولكن وجود العلل الأخرى بالفعل عللا، علة لوجودها؛ وليست العلة الغائية علة على أنها موجودة، بل على أنها شيء فبالجهة التي هي علة، هي علة العلل؛ وبالجهة الأخرى هي معلولة العلل. هذا إذا كانت العلة الغائية في الكون، وأما إذا كانت العلة الغائية ليست في الكونولكن وجودها أعلى من الكون على ما سيتضح في موضعه فلا يكون شيء من العلل الأخرى علة لها ولا في الواحد الذي هو الحصول والوجود؛ فتكون إذن العلة الغائية ليست معلولة لسائر العلل لا لأنها علة غائية ولكن لأنها ذات كون؛ ولو كانت ليست ذات كون، لما كانت معلولة البتة، وأما إذا اعتبرت كونها علة غائية فتجدها علة لسائر العلل في أن تكون عللا مثل أن تكون علة فاعلية وعلة قابلية وعلة صورية، لا في أن تكون كائنة وموجودة في أنفسها؛ فإذن الذي بالذات للعلة الغائية بما هي علة غائية، أن تكون علة لسائر العلل ويعرض لها من جهة أن معناها قد يكون واقعا في الكون أن يكون معلولا من جهة الكون. فقد تبين لك أنه كيف يكون الشيء علة ومعلولا، على أنه فاعل وغاية، وهذا من المبادئ للطبيعيين. وأما البحث الذي بعد هذا فينكشف بما نقوله: إن الغاية التي تحصل في فعل الفاعل تنقسم إلى قسمين: غاية تكون صورة أو عرضا في منفعل قابل للفعل. وغاية لا تكون صورة ولا عرضا في منفعل قابل البتة فتكون في الفاعل لا محالة؛ لأنها إن لم تكن في الفاعل ولا في المنفعل، وليس يجوز أن يكون ما يقوم بنفسه جوهرا حدث من مادة ولا من مادة، فلا يكون لها وجود البتة. فمثال الأول صورة الإنسانية في المادة الإنسانية، فإنها غاية للقوة الفاعلة للتصوير في مادة الإنسان، وإليها يتوجه فعلها وتحريكها. ومثال الثاني الاستكنان، فإنه غاية لمستبني البيت الذي هو مبدأ لحركة كونه، وليس هو البتة صورة في البيت. ويشبه أن تكون غاية الفاعل القريب الملاصق لتحريك المادة صورة في المادة، وأن يكون ما ليس غايته صورة في المادة ليس مبدأ قريبا للحركة بما هو كذلك، فإن عرض أن يكون ما غايته صورة
صفحه ۱۵۰