فتكون المبادئ إذن كلها من جهة خمسة، ومن جهة أربعة. لأنك إن أخذت العنصر الذي هو قابل، وليس جزءا من الشيء، غير العنصر الذي هو جزء، كانت خمسة. وإن أخذت كليهما شيئا واحدا، لاشتراكهما في معنى القوة والاستعداد، كانت أربعة. ويجب أن لا تأخذ العنصر بمعنى القابل الذي هو جزء، مبدأ للصورة بل للمركب. إنما القابل يكون مبدأ بالعرض، لأنه إنما يتقوم أولا بالصورة وبالفعل، وذاته باعتبار ذاته فقط تكون بالقوة، والشيء الذي هو بالقوة من جهة ما هو بالقوة، لا يكون مبدأ البتة. ولكنه إنما يكون مبدأ بالعرض، فإن العرض يحتاج إلى أن يكون قد حصل الموضوع له بالفعل، ثم صار سببا لقوامه، سواء كان العرض لازما فتكون الأولية بالذات، أو زائلا فتكون الأولية بالذات والزمان. فهذه هي أنواع العلل. وإذا كان الموضوع علة لعرض يقيمه، فليس ذلك على النوع الذي يكون فيه الموضوع علة للمركب، بل هو نوع آخر. وإذا كانت الصورة علة للمادة تقيمها، فليست على الجهة التي تكون الصورة علة للمركب، وإن كانا يتفقان من جهة أن كل واحد منهما علة لشيء لا تباينه ذاته. فإنهما وإن اتفقا في ذلك، فإن أحد الوجهين ليس تفيد العلة للآخر وجوده، بل إنما يفيد الوجود شيء آخر ولكن فيه؛ والثاني يكون العلة فيه هو المبدأ القريب لإفادة المعلول وجوده بالفعل، ولكن ليس وحده، وإنما يكون مع شريك وسبب يوجد هذه العلة، أعني الصورة فتقيم الآخر به، فتكون واسطة مع شريك في إفادة ذلك وجوده بالفعل وتكون الصورة للمادة كأنها مبدأ فاعلي لو كان وجودها بالفعل يكون عنه وحده، ويشبه أن تكون الصورة جزءا للعلة الفاعلية، مثل أحد محركي السفينة على ما سيتضح بعد. وإنما الصورة، علة صورية للمركب منها ومن المادة، فالصورة إنما هي صورة للمادة ولكن ليست علة صورية للمادة. والفاعل يفيد شيئا آخر وجودا ليس للآخر عن ذاته، يكون صدور ذلك الوجود عن هذا الذي هو فاعل، من حيث لا تكون ذات هذا الفاعل قابلة لصورة ذلك الوجود، ولا مقارنة له مقارنة داخلة فيه، بل يكون كل واحد من الذاتين خارجا عن الآخر، ولا يكون في أحدهما قوة أن يقبل الآخر. وليس يبعد أن يكون الفاعل يوجد المفعول حيث هو، وملاقيا ذاته؛ فإن الطبيعة التي في الخشب هي مبدأ فاعل للحركة، وإنما تحدث الحركة في المادة التي الطبيعة فيها وحيث ذاته، ولكن ليس مقارنتهما على سبيل أن أحدهما جزء من وجود الآخر أو مادة له، بل الذاتان متباينتان في الحقائق، ولهما محل مشترك، فمن الفاعل ما يتفق وقتا أن لا يكون فاعلا، ولا مفعوله مفعولا، بل يكون مفعوله معدوما، ثم يعرض الفاعل الأسباب التي يصير بها فاعلا بالفعل.
صفحه ۱۲۸