الأخرى، ولو كان ههنا حيوان مفارق كما يظنون، لم يكن هو الحيوان الذي نتطلبه ونتكلم عليه، لأنا نطلب حيوانا مقولا على كثيرين بأن يكون كل واحد من الكثيرين هو هو. وأما المباين الذي ليس محمولا على هؤلاء إذ ليس شيء منها هو هو، فلا حاجة بنا إليه فيما نحن بسبيله. فالحيوان مأخوذا بعوارضه هو الشيء الطبيعي، والمأخوذ بذاته هو الطبيعة التي يقال إن وجودها أقدم من الوجود الطبيعي بقدم البسيط على المركب، وهو الذي يخص وجوده بأنه الوجود الإلهي لأن سبب وجوده بما هو حيوان عناية الله تعالى. وأما كونه مع مادة وعوارض وهذا الشخص وإن كان بعناية الله تعالى فهو بسبب الطبيعة الجزئية، فكما أن للحيوان في الوجود أنحاء فوق واحد، كذلك له في العقل. فإن في العقل صورة الحيوان المجرد على النحو الذي ذكرناه من التجريد، وهو بهذا الوجه يسمى صورة عقلية؛ وفي العقل أيضا صورة الحيوان من جهة ما يطابق في العقل بحد واحد بعينه أعيانا كثيرة، فتكون الصورة الواحدة مضافة عند العقل إلى الكثرة، وهو بهذا الاعتبار كلي، وهو معنى واحد في العقل لا تختلف نسبته إلى أي واحد أخذته من الحيوانات، أي أي واحد منها أحضرت صورته في الخيال بحال، ثم انتزع العقل مجرد معناه عن العوارض حصل في العقل هذه الصورة بعينها، وكانت هذه الصورة هي ما يحصل عن تجريد الحيوانية عن أي خيال شخصي مأخوذ عن موجود من خارج أو جار مجرى الموجود من خارج وإن لم يوجد هو بعينه من خارج، بل اخترعه الخيال. وهذه الصورة وإن كانت بالقياس إلى الشخاص كلية، فهي بالقياس إلى النفس الجزئية التي انطبعت فيها شخصية، وهي واحدة من الصور التي في العقل. ولأن الأنفس الشخصية كثيرة بالعدد، فيجوز إذن أن تكون هذه الصورة الكلية كثيرة بالعدد من الجهة التي هي بها شخصية، ويكون لها معقول كلي آخر هو بالقياس إليها مثلها بالقياس إلى خارج، ويتميز في النفس عن هذه الصورة التي هي كلية بالقياس إلى خارج بأن تكون مقولة عليها وعلى غيرها. وسنعيد الكلام في هذا عن قريب بعبارة أخرى. فالأمور العامة من جهة موجودة من خارج، ومن جهة ليست، وأما شيء واحد بعينه بالعدد محمول على كثير، يكون هو محمولا على هذا الشخص بأن ذلك الشخص هو، وعلى شخص آخر كذلك، فامتناعه بين، وسيزداد بيانا. بل الأمور العامة، من جهة ما هي عامة بالفعل، موجودة في العقل فقط.
الفصل الثاني (ب)
صفحه ۱۰۲