وإن شاء لم يفعله وقد تقدم تقرير هذا المعنى وبالجملة فكل دليل في القرآن على التوحيد فهو دليل على القدر وخلق أفعال العباد ولهذا كان إثبات القدر أساس التوحيد قال ابن عباس: "الإيمان بالقدر نظام التوحيد فمن كذب بالقدر نقض تكذيبه التوحيد"
الباب الرابع عشر: في الهدى والضلال ومراتبهما والمقدور منهما للخلق وغير المقدور لهم هذا المذهب هو قلب أبواب القدر ومسائله فإن أفضل ما يقدر الله لعبده وأجل ما يقسمه له الهدى وأعظم ما يبتليه به ويقدره عليه الضلال وكل نعمة دون نعمة الهدى وكل مصيبة دون مصيبة الضلال وقد اتفقت رسل الله من أولهم إلى آخرهم وكتبه المنزلة عليهم على أنه سبحانه يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأن الهدى والإضلال بيده لا بيد العبد وأن العبد هو الضال أو المهتدي فالهداية والإضلال فعله سبحانه وقدره والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه ولا بد قبل الخوض في تقرير ذلك من ذكر مراتب الهدى والضلال في القرآن فأما مراتب الهدى فأربعة: إحداها: الهدى العام وهو هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها وهذا أعم مراتبه، المرتبة الثانية: الهدى بمعنى البيان والدلالة والتعليم والدعوة إلى مصالح العبد في معاده وهذا خاص بالمكلفين وهذه المرتبة أخص من المرتبة الأولى وأعم من الثالثة، المرتبة الثالثة: الهداية المستلزمة للاهتداء وهي هداية التوفيق ومشيئة الله لعبده الهداية وخلقه دواعي الهدى وإرادته والقدرة عليه للعبد وهذه الهداية التي لا يقدر عليها إلا الله ﷿، المرتبة الرابعة: الهداية يوم المعاد إلى طريق الجنة والنار. فصل: فأما المرتبة الأولى فقد قال سبحانه: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ فذكر سبحانه أربعة أمور عامة الخلق والتسوية والتقدير والهداية وجعل التسوية من تمام الخلق والهداية من تمام التقدير قال عطاء "خلق فسوى أحسن ما خلقه وشاهده قوله تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ فإحسان خلقه يتضمن تسويته وتناسب خلقه وأجزائه بحيث لم يحصل بينها تفاوت يخل بالتناسب والاعتدال فالخلق الإيجاد والتسوية إتقانه وإحسان خلقه" وقال الكلبي "خلق كل ذي روح فجمع خلقه وسواه باليدين والعينين والرجلين" وقال مقاتل" خلق لكل دابة ما يصلح لها من الخلق" وقال أبو إسحاق "خلق الإنسان مستويا" وهذا تمثيل وإلا فالخلق والتسوية شامل للإنسان وغيره قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ وقال: ﴿فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات﴾ فالتسوية شاملة لجميع مخلوقاته: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ وما يوجد من التفاوت وعدم التسوية فهو راجع إلى عدم إعطاء التسوية للمخلوق فإن التسوية أمر وجودي تتعلق بالتأثير والإبداع فما عدم منها فلعدم إرادة الخالق للتسوية وذلك أمر عدمي يكفي فيه عدم الإبداع والتأثير فتأمل ذلك فإنه يزيل عنك الإشكال في قوله: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ فالتفاوت حاصل بسبب عدم مشيئة التسوية كما أن الجهل والصمم والعمى والخرس والبكم يكفي فيها عدم مشيئة خلقها وإيجادها وتمام هذا يأتي إن شاء الله في باب دخول الشر في القضاء عند قول النبي ﷺ: "والشر ليس إليك" والمقصود أن كل
الباب الرابع عشر: في الهدى والضلال ومراتبهما والمقدور منهما للخلق وغير المقدور لهم هذا المذهب هو قلب أبواب القدر ومسائله فإن أفضل ما يقدر الله لعبده وأجل ما يقسمه له الهدى وأعظم ما يبتليه به ويقدره عليه الضلال وكل نعمة دون نعمة الهدى وكل مصيبة دون مصيبة الضلال وقد اتفقت رسل الله من أولهم إلى آخرهم وكتبه المنزلة عليهم على أنه سبحانه يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأن الهدى والإضلال بيده لا بيد العبد وأن العبد هو الضال أو المهتدي فالهداية والإضلال فعله سبحانه وقدره والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه ولا بد قبل الخوض في تقرير ذلك من ذكر مراتب الهدى والضلال في القرآن فأما مراتب الهدى فأربعة: إحداها: الهدى العام وهو هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها وهذا أعم مراتبه، المرتبة الثانية: الهدى بمعنى البيان والدلالة والتعليم والدعوة إلى مصالح العبد في معاده وهذا خاص بالمكلفين وهذه المرتبة أخص من المرتبة الأولى وأعم من الثالثة، المرتبة الثالثة: الهداية المستلزمة للاهتداء وهي هداية التوفيق ومشيئة الله لعبده الهداية وخلقه دواعي الهدى وإرادته والقدرة عليه للعبد وهذه الهداية التي لا يقدر عليها إلا الله ﷿، المرتبة الرابعة: الهداية يوم المعاد إلى طريق الجنة والنار. فصل: فأما المرتبة الأولى فقد قال سبحانه: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ فذكر سبحانه أربعة أمور عامة الخلق والتسوية والتقدير والهداية وجعل التسوية من تمام الخلق والهداية من تمام التقدير قال عطاء "خلق فسوى أحسن ما خلقه وشاهده قوله تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ فإحسان خلقه يتضمن تسويته وتناسب خلقه وأجزائه بحيث لم يحصل بينها تفاوت يخل بالتناسب والاعتدال فالخلق الإيجاد والتسوية إتقانه وإحسان خلقه" وقال الكلبي "خلق كل ذي روح فجمع خلقه وسواه باليدين والعينين والرجلين" وقال مقاتل" خلق لكل دابة ما يصلح لها من الخلق" وقال أبو إسحاق "خلق الإنسان مستويا" وهذا تمثيل وإلا فالخلق والتسوية شامل للإنسان وغيره قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ وقال: ﴿فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات﴾ فالتسوية شاملة لجميع مخلوقاته: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ وما يوجد من التفاوت وعدم التسوية فهو راجع إلى عدم إعطاء التسوية للمخلوق فإن التسوية أمر وجودي تتعلق بالتأثير والإبداع فما عدم منها فلعدم إرادة الخالق للتسوية وذلك أمر عدمي يكفي فيه عدم الإبداع والتأثير فتأمل ذلك فإنه يزيل عنك الإشكال في قوله: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ فالتفاوت حاصل بسبب عدم مشيئة التسوية كما أن الجهل والصمم والعمى والخرس والبكم يكفي فيها عدم مشيئة خلقها وإيجادها وتمام هذا يأتي إن شاء الله في باب دخول الشر في القضاء عند قول النبي ﷺ: "والشر ليس إليك" والمقصود أن كل
1 / 65