شاء مضى وإن شاء رجع غير حنث" وقال: "لأغزون قريشا ثم قال في الثالثة إن شاء الله" وقال: "ألا مشمر للجنة فقالت الصحابة نحن المشمرون لها يا رسول الله فقال قولوا إن شاء الله" وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ قال الحسن: "إذا نسيت أن تقول إن شاء الله" وهذا هو الاستثناء الذي كان يجوزه ابن عباس متراخيا ويتأول عليه الآية لا الاستثناء في الإقرار واليمين والطلاق والعتاق وهذا من كمال علم ابن عباس وفقهه في القرآن وقد أجمع المسلمون على أن الحالف إذا استثنى في يمينه متصلا بها فقال لأفعلنّ كذا أو لا أفعله إن شاء الله إنه لا يحنث إذا خالف ما حلف عليه لأن من أصل أهل الإسلام أنه لا يكون شيء إلا بمشيئة الله فإذا علق الحالف الفعل أو الترك بالمشيئة لم يحنث عند عدم المشيئة ولا تجب عليه الكفارة ولو ذهبنا نذكر كل حديث أو أثر جاء فيه لفظ المشيئة وتعليق فعل الرب بها لطال الكتاب جدا وأما الإرادة فورودها في نصوص القرآن والسنة معلوم أيضا كقوله: ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾: ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا﴾: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً﴾: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ وقول نوح: ﴿وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ وقوله: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ وقوله: ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ﴾ وقوله: ﴿والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا﴾ وأخبر أنه إذا لم يرد تطهير قلوب عباده لم يكن لهم سبيل إلى تطهيرها فقال: ﴿أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم﴾ وقال: ﴿وإن الله يهدي من يريد﴾: ﴿وإن الله يحكم ما يريد﴾ وقال: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ وقوله: ﴿فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ وقوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ وقوله: ﴿قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾ وقول صاحب يس: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ﴾ وقوله: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِه﴾ وقوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ﴾ وقوله: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾ والنصوص النبوية في إثبات إرادة الله أكثر من أن تحصر كقوله "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين" "من يرد الله به خيرا يصب منه" "إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق" "إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها" "إذا أراد الله هلكة أمة عذبها ونبيها حي فأقر عينه بهلكها" "إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له العقوبة في الدنيا" "إذا أراد الله بعبد شرا أمسك عنه توبته حتى يوافي يوم القيامة كأنه عير" "إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة" "إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم باب الرفق" "إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب من كان فيهم ثم بعثوا على نياتهم" والآثار النبوية في ذلك أكثر من أن نستوعبها.
فصل: وههنا أمر يجب التنبيه عليه والتنبه له وبمعرفته تزول إشكالات كثيرة تعرض لمن لم يحط به علما وهو أن الله سبحانه له الخلق والأمر وأمره سبحانه نوعان: أمر كوني قدري، وأمر ديني
1 / 47