والإحكام وقال تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ﴾ قال سعيد بن جبير ومجاهد وعطية: "أي ما سبق لهم في الكتاب من الشقاوة والسعادة ثم قرأ عطية: ﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾ "والمعنى أن هؤلاء أدركهم ما كتب لهم من الشقاوة وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء قال: "يريد ما سبق عليهم في علمي في اللوح المحفوظ" فالكتاب على هذا القول الكتاب الأول ونصيبهم ما كتب لهم من الشقاوة وأسبابها وقال ابن زيد والقرطبي والربيع بن أنس: "ينالهم ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال فإذا فني نصيبهم واستكملوه جاءتهم رسلنا يتوفونهم ورجح بعضهم هذا القول لمكان حتى التي هي للغاية يعني أنهم يستوفون أرزاقهم وأعمارهم إلى الموت ولمن نصر القول الأول أن يقول حتى في هذا الموضع هي التي تدخل على الجمل ويتصرف الكلام فيها إلى الابتداء كما في كقوله:
فيا عجبا حتى كليب تسبني
والصحيح أن نصيبهم من الكتاب يتناول الأمرين فهو نصيبهم من الشقاوة ونصيبهم من الأعمال التي هي أسبابها ونصيبهم من الأعمار التي هي مدة اكتسابها ونصيبهم من الأرزاق التي استعانوا بها على ذلك فعمت الآية هذا النصيب كله وذكر هؤلاء بعضه وهؤلاء بعضه هذا على القول الصحيح وأن المراد ما سبق لهم في أم الكتاب وقالت طائفة المراد بالكتاب القرآن قال الزجاج: "معنى نصيبهم من الكتاب ما أخبر الله من جزائهم نحو قوله: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى﴾ وقوله: ﴿يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ " قال أرباب هذا القول وهذا هو الظاهر لأنه ذكر عذابهم في القرآن في مواضع ثم أخبر أنه ينالهم نصيبهم منه والصحيح القول الأول وهو نصيبهم الذي كتب لهم أن ينالوه قبل أن يخلقوا ولهذا القول وجه حسن وهو أن نصيب المؤمنين منه الرحمة والسعادة ونصيب هؤلاء منه العذاب والشقاء فنصيب كل فريق منه ما اختاروه لأنفسهم وآثروه على غيره كما أن حظ المؤمنين منه كان الهدى والرحمة فحظ هؤلاء منه الضلال والخيبة فكان حظهم من هذه النعمة أن صارت نقمة وحسرة عليهم وقريب من هذا قوله: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ أي تجعلونه حظكم من هذا الرزق الذي به حياتكم التكذيب به قال الحسن: "تجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن أنكم تكذبون قال وخسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب به" وقال تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾ قال عطاء ومقاتل: "كل شيء فعلوه مكتوب عليهم في اللوح المحفوظ" وروى حماد بن زيد عن داود بن أبي هند عن الشعبي: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾ قال: "كتب عليهم قبل أن يعملوه" وقالت طائفة: "المعنى أنه يحصى عليهم في كتب أعمالهم" وجمع أبو إسحاق بين القولين فقال: "مكتوب عليهم قبل أن يفعلوه ومكتوب عليهم إذا فعلوه للجزاء" وهذا أصح وبالله التوفيق وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال: "ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك ويكذبه" وفي الصحيح أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق الفرج ذلك كله ويكذبه" وفي صحيح البخاري وغيره عن عمران بن حصين قال: "دخلت على النبي ﷺ وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا: قد بشرتنا فأعطنا
1 / 42