فإذا تأَملَ اللبيبُ هذه الأحاديث علمَ أن الاعتبار بحقيقة العقودِ ومقاصدها التي تؤول إليها والتي قُصِدت بها، وأن الاحتيال لا تُرْفع به هذه الحقيقة، وهذا بيِّن إن شاء الله تعالى.
الوجه الثالث عشر (^١): أن المقاصد والاعتقادات معتبرةٌ في التصرُّفات والعادات، كما هي معتبرة في العبادات والتقرُّبات، فتجعلُ الشيءَ حلالًا أو حرامًا، أو صحيحًا أو فاسدًا، أو صحيحًا من وجهٍ فاسدًا من وجه، كما أن القصد في العبادة يجعلها واجبة أو مستحبَّة، أو محرمة أو صحيحة أو فاسدة.
ودلائل هذه القاعدة كثيرة:
منها قوله - سبحانه -: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ [البقرة: ٢٢٨]، وقوله: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا﴾ [البقرة: ٢٣١]، فإنه نصٌّ في أن الرَّجعة إنما تثبت لمن قَصَد الصلاح دون الضرار.
ومنها: قوله - تعالى -: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ...﴾ إلى قوله: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ إلى قوله: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩، ٢٣٠]، فإنه دليل على أن الخُلْع المأذون فيه إذا خيف ألا يقيم الزوجان حدودَ الله. وأن النكاح الثاني إنما يُبَاح إن ظنَّا أن يُقيما حدود الله.
_________
(^١) "الإبطال": (ص/ ٨٥) وهو هناك الوجه الثاني عشر، وسبق التنبيه على سبب ذلك.
1 / 55