الوجه الثالث: أن الله - سبحانه - أخبر عن أهل الجنة الذين بلاهم بما بلاهم به في "سورة نون" وهم قوم كان للمساكين حقٌّ في (١٤٨/ أ) أموالهم إذا جذُّوا نهارًا بأن يلتقط المساكين ما يتساقط من الثَّمَر، فأرادوا أن يجذُّوا ليلًا ليسقط ذلك الحق ولئلّا يأتيهم مسكين، فأرسل الله على جنتهم طائفًا وهم نائمون، فأصبحت كالصريم، عقوبةً لهم على احتيالهم على منع حق الله تعالى الذي كان للمساكين، ففي ذلك عبرة لكل محتال على منع حق الله أو لعباده؛ من زكاة أو شُفعة.
وقصة هؤلاء معروفة - كما ذكرناه -.
على أنَّ في التنزيل ما يكفي في الدلالة، فإن هؤلاء لو لم يكونوا أرادوا منع واجب لم يعاقبوا بمنع التطوّع؛ لأن الذَّمَّ والعقوبة إنما تكون على فعل المحرَّم أو ترك الواجب.
ثم لو (^١) كانوا عوقبوا على الاحتيال على منع المستحبِّ، ففيه تنبيه على العقوبة على ترك الواجب، ولا يجوز أن تكون العقوبة على ترك الاستثناء وحدَه، فإن هذا إنما يُعاقَب صاحبه بمنع الفعل، بأن يُبتلى بما يشغله عنه، أما عقوبته بإهلاك ماله؛ فلا.
وأيضًا: فإنه - سبحانه - قال: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ [القلم: ١٧] بعد أن قال: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ﴾ [القلم: ١٠ - ١٢]؛ ولأن الله قصَّ عنهم أنهم: ﴿أَقْسَمُوا
_________
(^١) في "الإبطال": "إن".
1 / 32