وقد يكون جسم مركب من رطب ويابس يبخر ولا يدخن. وذلك إذا كانت الرطوبة فيه غير شديدة الامتزاج باليابس، وكان اليابس عاصيا لا يتصعد، كمن يعجن الطلق والحديد، ويخمره بالماء، ثم يقطره، فإنه لا يقطر منه إلا الماء، اللهم إلا أن يتولى فى ذلك الباب حيل. ولا يجوز أن يكون جسم ممتزج هذا الامتزاج ويدخن ولا يبخر، وذلك لأن الرطوبة أطوع لتصعيد الحرارة من اليبوسة. وكل ما يتصعد ويتبخر ويتدخن فأول ما يتصعد منه بخار ساذج لا محالة، أو شىء الغالب فيه المائية ثم يصعد غير ذلك. فإن كانت فيه دهنية صعدت الدهنية بعد المائية.وإن كان جوهر اليبوسة فيه مما يقبل التصعد صعد حينئذ الدخان. وذلك لأن الرطوبة أطوع، ثم المختلط من رطوبة ويبوسة كالدهنية اللزجة، ثم شىء آخر. فإنه، وإن كانت مادة التبخير والتدخن ما قلنا فليس يجب من ذلك أن يكون كل مركب متبخرا أو متدخنا. وذلك لأن الرطب واليابس إذا امتزجا فربما امتزجا امتزاجا شديدا، حتى تعسر مفارقة أحدهما الآخر، وانفصاله عنه.
وربما كان الامتزاج أسلس من ذلك. فإن كان المزاج سلسا أمكن أن ينفصل بعض الأجزاء عن بعض فيتبخر ويتدخن. وإن كان محكما لم يكن لبعض الأجزاء أن يفارق بعضا.
صفحه ۲۳۰