شعر و فکر: مطالعاتی در ادبیات و فلسفه
شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
ژانرها
تحرسها من الرياح غابة الزيتون.
ولكن الشاعر المغترب لا يكتفي برفض واقعه، وإنما يتجاوز ذلك إلى رفض ذاته. لقد توالت الهزائم والإحباطات على ذاته الجماعية التي هو جزء منها، فلم يجد أمامه إلا هذا النوع من «تعذيب الذات» والسخرية بها كأنها شيء غريب عنه مفروض عليه. وهذا هو صلاح عبد الصبور يمعن في تعذيب ذاته التي لم تطمع طول عمرها إلى أكثر من أن تكون ذات شاعر بسيط، حتى أدركت - بعد انهيار الذات الجماعية في حرب الأيام الستة - أنها لم تكن إلا لتابع صغير في حاشية السلطان، موقفه «في آخر الممر» مع مهرج البلاط والمؤرخ الرسمي والعراف، وكلهم «بدون أسماء ولا سيوف»، وكلهم «مؤجر بالقطعة»، وبينهم «صداقة عميقة كالفجوة». ولهذا يواجه واقعا سقطت عنه أقنعة الزيف ويدلي باعتراف تأخر عن أوانه:
كنت أحس، سادتي الفرسان،
أنكمو أكفان،
وكان هذا سر حزني.
ولكنه لا يكتفي برفض ذلك الواقع المنهار، وإنما يدخل عصر الرفض من أحلك أبوابه ألا وهو رفض الذات:
أصبحنا مثل الطين بقاع البئر،
لا يملك أن يتأمل صفحة وجهه.
فهل وقفت وظيفة الشاعر في عصر الرفض والاغتراب الكامل عند رؤية الطين الذي لا يملك أن يرى فيه صفحة وجهه، ورفض ذاته التي هي جزء من هذا الطين؟ ألم يبق عند الشاعر سوى هذا المغني الحزين والفارس المهزوم الذي انكسرت قوادم أحلامه، والصوفي المحبط الذي صلبت كلمته؟ بلى! إن الشاعر نفسه يبحث عن «وردة الصقيع»، وينتظر نبيا يحمل سيفا، وينثر كلماته في الريح السواحة لعل فؤادا من أفئدة وجوه الأمة يلتقطها، فيوفق بين الحكمة والقدرة، ويحلم بمدينة الضياء، وإن كان يشك في الوصول إليها أو الحياة في ظلها.
هنالك إذا رؤية ل «الإنقاذ» من هذا الاغتراب الذي تتعدد صوره وألوانه القاتمة. قد تكون في العودة إلى «جيكور» شعرية خلدها السياب، أو في الانبعاث وتجدد «السندباد» الجواب عند خليل حاوي في «طفل تخضر به الأنقاض»، ويسترجع الخصب المغني، أو في التحول الدائم، وهدم الواقع القائم والبنية الثقافية التقليدية، وإبداع عالم فني يتصور «أدونيس» أنه مواز له وبديل عنه، أو في استرداد الأرض الجريحة السليبة التي يحملها محمود درويش على كفه في أسفاره ومنافيه ويصونها سميح القاسم داخل قلبه وإبداعه في سجنه الكبير ...
صفحه نامشخص